فى العام الماضى كتبت مقالا عن سوسيولوجية الساحل الشمالى، تناولت فيه سريعاً الفوارق الطبقية والثقافية فى إنشاء هذا الكيان والحياة فيه، بداية من منع كل المواطنين من حقهم فى الاستمتاع بشاطئ البحر، ومنحه لمن يملك شقة أو شاليه أو قصر وانتهاء بقرار الدولة العجيب بالاستثمار فى مارقيا ومارينا، وكيف تبددت موارد الدولة والمجتمع فى بناء مئات القرى السياحية والطرق التى لا تستخدم إلا شهرين أو ثلاثة فى السنة، ولا تدر دخلا من السياحة كما هو الحال فى شرم الشيخ والغردقة.
القرى التى احتلت الساحل لم تصمم لاستقبال سائحين من الداخل أو من الخارج، فقد تملكتها أسر مصرية من الطبقة المتوسطة والطبقة العليا، تغلق وحداتها السكنية طوال العام ولا تذهب للساحل إلا فى الصيف، ولا تقضى سوى عدة أسابيع. هكذا ظهرت سلبيات الساحل، ومع ذلك استمر السباق الغريب والساحر لتملك وحدة سكنية.
أما الصيحة الثانية فى سباق الساحل فقد بدأت منذ عامين وتضخمت هذا الصيف، وهى إقبال وتنافس الأثرياء من حيتان مصر على الإقامة فى عدد محدود من الفنادق الخمس نجوم، لا تعمل إلا فى الصيف فقط، التى تبالغ فى أسعارها ومع ذلك تلقى إقبالا هائلاً، ما يؤكد وجود شريحة من الأغنياء فى مصر ينفقون فى سفه، وكأنهم لا يعيشون فى مصر ولا يشعرون بمعاناة الحكومة وأغلبية المواطنين. وسأضرب مثلا بأحد الفنادق الذى قدم عرضاً خاصا للإقامة فى جناح رئاسى خلال أربع ليالٍ فى عيد الأضحى مع تقديم كل الوجبات بمبلغ 159850 جنيه «فقط مائة وتسعة وخمسون ألف وثمانمائة وخمسون جنيها»! الرقم صادم لكن الصدمة الأكبر أن هناك إقبالاً كبيراً!! «ابحث بنفسك عزيزى القارئ على جوجل ستجد هذا العرض».
وبحسب أصدقاء خبراء فى السياحة فإن السعر، بغض النظر عن انخفاض الجنيه، أكبر من أسعار أجنحة مماثلة فى فنادق خمس نجوم تطل على البحر المتوسط فى فرنسا وإسبانيا ولبنان، كما أن الإقامة فى جناح فخم فى كاليفورنيا أو أستراليا تظل أقل!، وبعيدا عن المقارنات بأوروبا وأمريكا والدول المتقدمة تبقى المقارنة الأهم مع أوضاعنا الاقتصادية الصعبة، ومعاناة الفقراء والطبقة الوسطى من الغلاء الحالى والقادم بعد تطبيق إصلاحات صندوق النقد.
ومع ذلك هناك شريحة من أغنياء مصر لديها القدرة والرغبة فى دفع تكلفة عالية للإقامة فى فنادق الساحل الفاخرة، وبغض النظر عن كل الجوانب الأخلاقية فى الموضوع فإن هذا حق يكفله الدستور والقانون، فمن حق الأغنياء الاستمتاع بما لديهم من أموال، وقد يعتبره البعض سفهاً أو جنوناً، لكن هذا ليس موضوعنا، الموضوع باختصار أن هذه الشريحة عليها أن تدفع ضرائب أكبر للدولة، لأنه من غير المنطقى أن تدفع %22.5 ضرائب من صافى الربح للمشروعات التى تملكها، بينما يدفع صغار التجار وكبار موظفى الدولة وأعضاء النقابات المهنية نفس النسبة من إجمالى الدخل %22.5، وهناك فارق كبير بين إجمالى الدخل وصافى الربح لصالح الأخير طبعا.
رسالتى باختصار أن تسارع الحكومة بتطبيق الضرائب التصاعدية المعمول بها فى كل الدول الرأسمالية المتقدمة، حتى يدفع الأثرياء ضرائب أكبر تتناسب مع دخولهم العالية، وإذا كانت الحكومة قد أكدت أن ضريبة القيمة المضافة تطبق فى أغلب دول العالم فلابد أن نقول لها بالمثل إن الضرائب التصاعدية تطبق فى كل أوروبا والدول المتقدمة، ومن غير المنطقى أو المنصف أن يدفع أى مواطن مصرى يزيد دخله السنوى عن 200 ألف جنيه إلى 200 مليون أو حتى 200 مليار جنيه %22.5 للضرائب، لأنها مساواة ظالمة بين تاجر صغير أو موظف فى القطاع الخاص والحكومى، وبين أصحاب المليارات.