منذ الانفتاح الاقتصادى الذى أعلن عنه الرئيس السادات عام 74 الذى سماه الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين «انفتاح السداح مداح» ومصر تعيش «أكذوبة كبرى» اسمها اقتصاد السوق الحر وتوارت خلفه حكومات ما بعد الانفتاح وصورته للناس على أنه الحرية الاقتصادية الكاملة، وتخلى الحكومة عن مسؤولياتها ودورها فى حماية الطبقات الاجتماعية الفقيرة والطبقة الوسطى فى المجتمع. السوق الحر الذى طبقته حكومات مصر منذ السبعينيات تجاوز وصف بهاء الدين من السداح مداح إلى الفوضى الخلاقة والعشوائية والفساد واحتكار الثروة من مجموعة معينة وزيادة معدلات الفقر والبطالة والمرض فى الشرائح الاجتماعية الأدنى.
الحكومة فى السابق، ومازالت، فهمت السوق الحر أو الاقتصاد الحر على أنه «مالهاش دعوة»، بالشعب وليس لها علاقة بصحته وتعليمه وتشغيله وتوفير المسكن الملائم له وتوفير السلع الغذائية وإحكام الرقابة على الأسواق والرقابة على مؤسسات الدولة ومواردها.
النتيجة هو ما وصلنا إليه الآن وهو ما يحاول الرئيس إصلاحه بمراعاة البعد الاجتماعى ومواجهة مشكلات مزمنة نتجت عن سياسة الفوضى الاقتصادية، مثل العشوائيات والبطالة والفقر، فالاقتصاد الحر ليس معناه غياب تام للدولة ممثلة فى جهازها التنفيذى عن كل شىء، وليس عن الاقتصاد والأعمال فقط، فالدولة العريقة التى تنتمى للسوق الحر لم تتخل على الإطلاق عن مواطنيها مثلما فعلت الحكومات المصرية المتعاقبة.
أوروبا وبريطانيا على وجه التحديد لديها نظام صحى شامل يستفيد منه «الغفير قبل الوزير»، ونظام تعليمى حكومى متميز وبالمجانا وبرامج لمحاربة البطالة بتوفير فرص عمل وصرف إعانات البطالة للعاطلين وغيرها من برامج الحماية الاجتماعية من التأثيرات السلبية للسوق الحر، ولم تغب الحكومة عن رقابة السوق لمنع الاحتكار مثلما فعلت الحكومة الأمريكية مع شركة ما يكروسوفت. أذكر أنه خلال زيارة لى إلى هونج كونج، البلد الأول فى الحرية الاقتصادية، كان رئيس الحكومة يلقى بيانه السنوى وكانت المعركة مع المعارضة تدور حول قضية المساكن الشعبية التى يجب توفيرها للناس وبأسعار مقبولة، ودافع الرئيس عن برنامجه الذى يوفر آلاف الوحدات السكنية لذوى الدخل المحدود.. هذا فى هونج كونج!
إذن ليس معنى السوق الحر أن تغيب سياسات الحماية أو العدالة الاجتماعية وأجهزة الرقابة فى مراقبة أداء المؤسسات والشركات الحكومية ومواجهة الفساد فيها، الحكومة الحالية أو المحتملة عليها تحديد أولوياتها وسياستها الاقتصادية وانحيازاتها الاجتماعية.. «فالسوق الحر»، ليس معناه الفوضى و«السداح مداح».
عدد الردود 0
بواسطة:
ألشعب الاصيل
الفيل في المنديل
والاقتصاد في المنطاد