صيد السمك فى "بحيرة البردويل" بشمال سيناء مهنة احترفها أبناء قبيلة "الدواغرة" بسيناء القاطنين على ضفافها، مهنة فى الوقت الحاضر أصبحت ميسرة بعد توفير أدوات صيد حديثة تلتقط الأسماك دون عناء، ولكنها فى الماضى كانت الأصعب بين مهن أخرى تقتضى مهام القيام بها غربة الصياد وسط المياه لعدة أيام متولية بحثا عن رزقه من "السمك" يسبح به لليابسة ثم يعيد نقله على ظهور الإبل والسير به مجتازا تلال رملية وصولا للطريق الرئيسى لتحميله لأقرب مركز بيع.
ذكريات الصيد فى الماضى حافلة بالمثير قياسا بالحاضر وتكشف عن خفايا منسية من تاريخ أحد أهم بحيرات إنتاج الأسماك على مستوى العالم وهى بحيرة البردويل على ساحل البحر المتوسط بشمال سيناء.. فتح خزانة أسرارها لـ"اليوم السابع" أحد أقدم الصيادين بالبحيرة "أغنيم سليم سليمان"، من قبيلة الدواغرة، الذى تحدث من مجلسه فى قرية "مصفق" إحدى القرى الواقعة فى نطاق يابسة البردويل، لافتا لأنه وصل عمره لنحو 75 سنة، وعمل فى البحيرة فى بداية عملها بعد أن كانت تخضع لإحدى الشركات الخاصة ثم أممت.
"أغنيم" أحد اقدم الصيادين ببحيرة البردويل
رحلة الصيد
قال "أغنيم"، إن بحيرة البردويل بالنسبة لهم هى مصدر عيشهم ورزقهم الوحيد فى ظل أوضاع اقتصادية صعبة كانوا يعيشونها، حيث تمر عليهم أيام لا يجدون ما يقتاتون به، ورحلة الصيد هى الأمل للأسر التى تنتظر عائلها الذى ينطلق وبرفقته الرجال من المنطقة ومن اشتد عودهم من ابناءه فى رحلة تبدأ فى ساعات المساء، وتنتهى فجرا بالعودة للساحل لتفريغ شحنة الصيد طوال اليوم ثم العودة مرة أخرى للمياه وهكذا يستمر الحال لمدة أسبوع متواصل يعقبها استراحة يوم أو يومين فى المنزل.
يتذكر كيف كانوا يصطادون فى مراكب شراعية
قبل 40 عاما
وأضاف أن الأوضاع للصياد وإمكانيات الصيد قبل 40 عاما ببحيرة البردويل كانت صعبة، مشيرا لحقبتين من الزمن فى عمر البحيرة، وهى سنوات ما قبل تأميم البحيرة وسنوات مابعدها، مشيرا أنه قبل تأميمها فى أواخر الأربعينيات ومطلع الخمسينيات كانت تديرها شركة خاصة والتى كان لها من بعد الله الفضل فى إنشاء البحيرة بهذا الشكل الذى نراه اليوم، بفتح بواغيز مياه من البحر تغذى الماء بالجديد من ماء البحر الذى تندفع فيه فى الأسماك بكميات كبيره وأنواع كثيرة، ولكن العمل فى هذه الفترة كان صعب للأهالى لاحتكار الشركة لها ومعاقبة كل من يقترب منها، ومع ذلك يقول الصياد " أغنيم" أنهم يتسللون للمياه وبشباك بسيطة يجلبون كميات من السمك لبيعها لتوفير متطلبات حياتهم.
يؤكد أن الصيد كانت مهنة شاقة
تأميم البحيرة
وأضاف أنه بعد تأميم البحيره وتحويلها لملكية الحكومة فى مطلع الستينيات بدأوا فى الحصول على تصاريح للصيد داخلها وكانوا يستخدمون مراكب تقليديه قديمة تتحرك بالقلاع ودفع الرياح لها، وـحيانا كثيرة تخيب رحلاتهم ولا تأتى بناتج عندما تتوقف حركة الرياح فى عرض البحيرة وتتوقف حركة المركب. وأشار لأنه لم يكن سهلا تصريف صيدهم من الأسماك التى يبحرون بها فى مرسيين على شاطئ البحيرة وهما مرسى " مصفق" ومرسى " اغزيوان " ولم تكن المراسى بالجاهزية التى عليها الآن فلاطرق مسفلته تربطها ووسيلة النقل للأسماك التى تم اصطيادها هى الإبل التى يتم تجهيزها مع ساعات الفجر الأولى لتستقبل مراكب الصيد وتفرغ حمولتها لتنقل على ظهور الإبل وتسير بها عشرات الكيلو مترات عبر طرق هى دروب تمر بكثبان رمليه متباينة التضاريس مابين صعود وهبوط وصولا للطريق الرئيسى فى منطقة " سلمانة"، ومنه لسياارت تجار لنقل الإنتاج للعريش والقنطرة.
الاحتلال الإسرائيلى
وتابع وهو يتذكر أن من مراحل سنوات السواد التى شهدتها البحيرة فترة الاحتلال الإسرائيلى لسيناء، وكانت سلطات الاحتلال تفرض على أهالى المنطقة من الصيادين جبروتها فى قطع ارزاقهم وهم الذين لا حيلة لهم إلا البحيرة كمصدر رزق، موضحا انهم خلال تلك الفترة عاشوا حياة الرعب فجنود الاحتلال لا يتحدثون مع صياد إلا والسلاح مشهر فى صدره وكانوا يوميا يقومون بمسح المنطقة، وفى حال ظهور آثار لأقدام غريبة يقتادون الصيادين لمراكز التحقيق، وكانوا يذهبون للصيد فى البحيرة بتصاريح مسبقة تستخرجها لهم سلطات الاحتلال ويخضعون للتفتيش، وصيدهم من الأسماك كان يذهب للأسواق فى غزة ومنها لأسواق إسرائيل.
وفرة الأسماك
ويعتبر الصياد أغنيم أن الصيد فى الماضى كان وفيرا قياسا بالحاضر، وخصوصا أسماك الدنيس وهى أغلى وأهم أنواع أسماك البحيرة وأصبحت الآن نادرة وإنتاجها شحيح. ويقول إن سبب وفرة الأسماك فى البحيرة فى تلك الأيام هو للعمل فى تطهير البواغيز وخلو البحيرة من كل عوائق الصيد وتفعيل فترة المنع التى خلالها تنمو زريعة الأسماك.
بحيرة البردويل بشمال سيناء
وأشار لأنه اعتزل مهنة الصيد منذ 8 سنوات بعدما تقدم به العمر وترك 3 من أبنائه يمتهنون المهنة، وأنه يعتبرها فى الوقت الحالى سهلة وميسره فيوجد ماكينات حديثة ووسائل نقل وأمان فى عرض البحيرة أثناء رحلات الصيد، وإن كان يعيب البحيرة فى هذا الوقت تراجع إنتاجها.