بذلت الحكومة، ممثلة فى وزارة المالية، جهوداً مكثفة على مدار الأيام الماضية، لشرح كل تفاصيل قانون ضريبة القيمة المضافة، حتى قبل أن يتم عرض مشروع القانون على مجلس النواب، ورغم هذه الجهود إلا أن القانون ارتبط فى عقلية الغالبية، بأنه سيؤدى إلى ارتفاع فى أسعار السلع والخدمات، وربما ساعد فى ذلك عدم اطلاع الكثيرين على تفاصيل مشروع القانون، مكتفين بتويتة تكتب هنا، وشائعة تنتشر هناك، وهو ما أثر على نظرة المصريين للقانون، واعتباره قانوناً سيى السمعة.
رأينا جميعاً الجدل داخل مجلس النواب، وخارجه حول القانون، وهو الجدل الذى انتهى أخيراً أمس الأول الأحد، بالموافقة على مقترح عمرو الجارحى، وزير المالية، بتحديد سعر الضريبة على القيمة المضافة بـ13% بدلا من 14%، كما اقترحت الحكومة بمشروعها خلال العام المالى الحالى 2016-2017، على أن يتم زيادتها إلى 14% العام المالى القادم 2017-2018، وأن يتم توجيه الـ1% الزيادة إلى برامج الحماية الاجتماعية.
ووفقاً لما تم الاتفاق عليه فى البرلمان، فإن القانون الجديد يلغى العمل بقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، حيث سيتم استبداله بعبارة «مصلحة الضرائب على المبيعات» أينما وردت فى القوانين والقرارات واللوائح المعمول بها عبارة «مصلحة الضرائب المصرية»، ومعروف أن ضريبة القيمة المضافة تعتمد على وجود سعر موحد للضريبة، وليس أسعار متعددة مثل ضريبة المبيعات الحالية التى تبدأ بسعر 5% وتصل حتى 40%، كما أنه للمرة الأولى فى مصر سيتم إخضاع كل الخدمات المقدمة من خلال التجارة الإلكترونية للضريبة، وكذلك عمل الأطباء ومراكز التجميل، التى لم تكن تخضع للضريبة من قبل.
بطبيعة الحال، فإن ضريبة القيمة المضافة، ليست بدعة مصرية، كونها مطبقة فى غالبية دول العالم، وهى أحد أنواع الضرائب غير المباشرة، تطبق على الفرق بين سعر الشراء للبائع، وسعر إعادة البيع، فهى يحصلها المصنعون أو التجار من المستهلكين كجزء من سعر بيع المنتج على أن تسدد لصالح خزانة الدولة، ومع وجود إضافات فى كل مرحلة إنتاجية للسلعة، تفرض الضريبة على هذه الإضافات، وبالتالى فإنها تركز على الاستهلاك، وهو ما يؤيد وجهة النظر التى تقول إن فئة الأغنياء هى الفئة الأكثر تأثراً بالضريبة الجديدة، لأنه كلما تزيد معدلات الاستهلاك كلما زادت الضريبة المدفوعة من القيمة المضافة.
بالتأكيد سيحدث ارتفاع فى الأسعار، مقدر ألا تزيد نسبته على 1%، لكن عملياً يصعب التكهن بالنسبة الحقيقية لهذه الزيادة، خاصةً فى ظل عدم وجود آليات واضحة ومحددة للرقابة على الأسواق، وقد رأينا حتى قبل تطبيق الضريبة موجة ارتفاع فى الأسعار يرجعها التجار إلى القانون الذى لم يطبق حتى الآن، وشملت الارتفاعات سلع معفاة أساساً من الضريبة الجديدة، مثل الألبان والسكر ومنتجات أخرى، بما يؤكد أن المشكلة ليست فى الضريبة، بقدر ارتباطها بعدم وجود آليات صارمة لضبط السوق والأسعار، وهو التحدى الذى يواجه الحكومة، التى عليها أن تثبت كفاءاتها وقدرتها على ضبط السوق، حتى وإن لجأت «استثنائياً لوقت معين» إلى قوائم تسعير إجبارية للخدمات والسلع، للسيطرة على السوق، وحتى لا نثقل على كاهل المواطنين محدودى الدخل، ممن حاولت الضريبة الجديدة تجنبهم.
ضبط الأسواق والأسعار، هو التحدى الأول والأكبر الذى يواجه الحكومة، ليس فقط ارتباطاً بتطبيق الضريبة الجديدة، وإنما لحاجة السوق المصرى لقواعد جديدة للسيطرة عليه، خاصةً ونحن أمام تجار وبائعين لا يحكمون ضمائرهم، وإنما تحركهم قواعد المكسب الدائم، حتى وإن كان مكسب «حرام».