فى محاولة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة لتأمل الوضع الغير مستقر فى المجتمع. المصرى تحديداً فى الخمس سنوات الأخيرة التى تلت ثورة يناير، كانت خلاصة المشكلة التى بناءً على ترسخها لا تسير البلاد بخطى ثابتة فى اتجاه التطوير والتنمية المفترضة وهى باختصار أزمة الضمير الذى لم يعد يؤرق الكثيرين، وكذلك فساد الأخلاق الذى بلغ ذروته وتخطى كل الحدود فى حالة فريدة من نوعها من التبجح وكشف الوجه دون مراعاة أية اعتبارات كنا نظنها هامة فيما مضى !!
يبدو وبكل أسف أن نظام القمع والديكتاتورية وخرس الألسنة الذى ظل عشرات بل مئات السنوات يسيطر على مصر كان هو الأمثل بالنسبة لغالبية المصريين، الذين ما إن قامت لهم قائمة وشعروا ببعض الحرية، حتى كشف كل منهم عن وجه متحرر من الخوف لكنه أسوء بكثير من ذى قبل !
خرجنا للميادين نطالب بإسقاط القهر والظلم والتحرر من الفساد الموغل فى أعماق البلاد، وبالفعل قدر لنا الله الفوز بالحرية والتخلص من جميع الفاسدين الذين كنا نظن بسذاجة أنهم مجرد حفنة من المسئولين الذين يتحكمون بمقاليد الأمور وما إن سقطوا وانفرط العقد ستتساقط حباته واحدة تلاحق الأخرى حتى ينتهى وتنتهى معه حقبة سوداء من عمر مصر.
لكنها أعزائى كانت مجرد أمنيات طيبة وحسابات خاطئة، ثبت مع الأيام أنها حلم المدينة الفاضلة التى لا وجود لها على الأرض بأكملها !
فكانت الصورة كما يلى ؛
تحرر المصريون من أغلال القهر وتخلصوا من الخوف، فبرع أكثرهم فى إظهار الوجه الحقيقى المختبئ خلف قناع الخنوع، ويا ليته ما تحرر من خوفه، فقد كانت نتيجة الحرية المفقودة عكسية تماماً، حيث كشف الكثير من أفراد الشعب عن وجوه قبيحة تتفنن فى التبجح والتطاول وكسر كافة القيم والمعايير التى تربينا عليها منذ قديم. الأزل !
ولم تعد هناك القيم الأخلاقية الثابتة التى اشتهر بها المصريين مثل الكرم والشهامة والمروءة ومراعاة الجار واحترام الكبير والعطف على الصغير والترابط الأسرى والأمانة وغيرها الكثير من الأخلاقيات التى تلاشت وباتت نادرة الوجود فى ظل حالة الحرية الزائفة التى كانت مجرد فخ للنيل من مصر وشعبها الذى كان يوماً ولم يعد رمزاً للنبل والرقى !
أما بالنسبة لأزمة الضمير التى تعد السبب الأهم فى عرقلة مسيرة التنمية المفترضة، حيث أن حبات العقد الذى يضم الفاسدين والذى تصورت عن نفسى أنه قد انفرط بأكمله وأننا على مشارف التطهير التام، لم يكن الأول ولن يكون الأخير، إذ أن الفاسدين ومعدومى الضمير متشعبين من الجذور للفروع، وذلك نتاج لسنوات طويلة من التجريف والتجهيل والتسطيح وتفشى الفقر والجهل والمرض، مما خلق أجيالاً وراء أجيال بمعايير وأخلاقيات وضمائر مختلفة تحرم الحلال وتحلل الحرام، أجيال ناقمة على الحياة كارهة لأنفسها متعالية على أوطانها متغاضية عن حسابات الضمير والأخلاق والقيم وخلافه !
فاتضح أنه خلف صفوف الفاسدين الذين تصدروا المشهد وتمت إزاحتهم صفوفاً كثيرة لم نكن نعلم عنها شئ، وكلما تخلصنا من أحدها أطل من هو أسوء منها وأدل سبيلا !
نهاية: إن كنا نرجو الحل القاطع، فلنكثف كافة مجهوداتنا لإصلاح الأجيال التى أصابها المرض المستشرى فى جسد مصر والذى لابد من سرعة إستئصاله من جذوره وتطهيره، إذ إن إصلاح منظومة التعليم الفاشلة أولى الخطوات لإنقاذ أجيال من الجهلة الحاملين لشهادات جامعية،
وثانيها تغليظ القوانين الخاصة بمعاقبة الفاسدين لأنه كما قال المثل الشعبى العتيق ( إضرب المربوط يخاف السايب).
لعلنا نتمكن فى وقت قياسى من التخلص من بعض مسببات التعويق والدفع بعجلة التقدم والتنمية المنشودة إلى الأمام. والله المستعان.