اتفقت روسيا وأمريكا على التهدئة فى سوريا، غير أن الحكم على نجاح هذا الاتفاق كمدخل صحى لإنهاء الأزمة السورية تحيط به ألغاز كبيرة.
يتحدث الاتفاق مثلا عن «المعارضة المعتدلة» ومنع تعرضها من الطرفين إلى أى نوع من الضربات المسلحة، فى الوقت الذى تتفق فيه أمريكا وروسيا على التعاون فى توجيه الضربات ضد «داعش» و«النصرة» فى طبعتها الحديثة المسماة بـ«جيش الفتح»، وإذا كانت الجماعات الإرهابية على الأرض السورية معروفة ولا تحتاج إلى جهد فى تعريفها، فإنه ليس من الواضح «ماذا تعنى المعارضة المعتدلة؟»، فإذا كان المقصود بها تلك التى لم تحمل السلاح ولم تختلط يدها بدماء السوريين، فأين هى؟ وما هى قوتها الحقيقية؟ هل هى الجيش السورى الحر الذى تدعمه تركيا وحمل السلاح بمساعدة أطراف إقليمية ودولية؟ هل هى قوات «سوريا الديمقراطية» المدعومة من أمريكا؟
لم ير العالم طوال السنوات الخمس الماضية غير جماعات تحمل السلاح، وكل جماعة مدعومة من طرف إقليمى ودولى، وتحت ضغط النيران لم يعرف العالم قوى معارضة مؤثرة على الأرض بخطابها السياسى وبوجودها بين الناس، ومن هنا فإن الحديث عن «المعارضة المعتدلة» يبدو ضبابيا، وإذا افترضنا أن هناك اتفاقا بين روسيا وأمريكا على تعريفها، فهل يوافق نظام بشار الأسد عليها؟
تفرض كل هذه الأسئلة نفسها، ولأن خمس سنوات من عمر الأزمة غيرت الكثير على الساحة السورية، فإن المخاوف تذهب إلى احتمالات أن يجهز كل طرف يلعب فى الأزمة حلفاء تابعين له يتم تقديمهم كـ«معارضة معتدلة» ووقتها ننتقل إلى فصل جديد من الأزمة لا يقدم حلولا، وإنما يحافظ على فوضى الساحة ولكن بأشكال جديدة.
لو صدقت واشنطن وموسكو فى دك حصون جماعات الإرهاب على الأرض السورية، فمن الطبيعى أن تسود لغة السياسة بأدواتها السلمية، وستكون هذه الأدوات فى أغلب الظن عبارة عن «معارضة مصنعة بغير سلاح» فى معامل واشنطن، وغيرها من المعامل الإقليمية، وسيتم ترويجها بوصفها «المعارضة المعتدلة»، فهل سينجح هذا السيناريو؟ وهل تسمح به روسيا وإيران كأطراف دولية لها كلمتها المؤثرة فى الأزمة؟ وهل سيسمح الشعب السورى بالتلاعب به؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة