قدّم الكاتب الكبير محمود الوردانى خدمة كبيرة للكتاب والمثقفين والمهتمين بالشأن العام من خلال روايته «البحث عن دينا»، الصادرة عن الكتب خان، والتى تتناول فترة زمنية حرجة مر بها الشعب المصرى، لكونها فترة الاختبار الحقيقى للمواطن الحالم، والمتمثلة فى معارك محمد محمود، واعتصام الاتحادية، وسقوط الإخوان، وغير ذلك من الأحداث التى شكلت تاريخ مصر الحديث.
وتأتى أهمية المرحلة التى تناولتها الرواية لكونها جاءت بعد انتهاء هوجة الفرح التى أصابت الجميع بعد ثورة 25 يناير، فمنذ محمد محمود الأولى بدأ الاختبار الحقيقى للثورة والثوار، ومحمود الوردانى رصد هذه الأحداث فى حس روائى مميز.
أما الخدمات الثقافية التى قدمها «الوردانى» فى أثناء رحلته فى «البحث عن دينا»، فتكمن فى الاختلاف، فقد كان بإمكانه أن يقص يومياته عن أحداث الثورة بشكل مباشر، وهناك كتاب كثيرون فعلوا ذلك تحت مسمى أن الوقت لم يحن بعد لكتابة أدبية عن الثورة، لأن الحماسة والانفعال لا يزالان غالبين، لكن «الوردانى» يبدو أنه يعرف «هشاشة» هذه الجملة، فصنع معادلة فى الكتابة، لذا لدينا أحداث نشاهدها، وأماكن نعرفها، وشخصيات التقيناها، لكنه فى الوقت نفسه قدم انفعالات جديدة، ورصد تفاصيل إنسانية لم يهتم بها البعض، وخلط كل ذلك بالخيال واللغة السلسة المعبرة والجمالية، فجاءت الكتابة مختلفة وجديدة .
وعن نفسى بعد الانتهاء من قراءة «البحث عن دينا» جعلنى محمود الوردانى أشعر بالذنب، لكونى كنت أشاهد أحداث محمد محمود الأولى، والثانية أمام شاشة التليفزيون، ولم أذهب سوى مرة واحدة، وكنت تقريبًا فى هيئة المتفرج، ولم أحتمل دخان القنابل، لكن الرواية تحدثك عن الناس الأجمل، والأحلام الكبيرة التى ستتحقق يومًا، تحدثك عن الفرح والحزن، عن مشرحة زينهم المتخمة بالحالمين الذين فقدوا أجسادهم، لكن أرواحهم لا تزال تسرى فى الميادين، ويحكى لك عن هتافات ميدان التحرير، عن الرجل الستينى الذى يتذكر تاريخ النضال الشعبى فى مصر الحديثة، عن السبعينيات وما أدراك بالسبعينيات، وعن جامعة القاهرة ودورها ونشاطها الطلابى، عن «دينا» الغائبة الحاضرة، التى يتعلق قلبك بها وبجناحيها المنزوعين، وبألمها الكبير.
تبحث مع محمود الوردانى عن دينا وعن نفسك أيضًا، عن رفاقك السابقين كما فعل هو مع أروى صالح، وسناء المصرى، وتيمور الملوانى، وأحمد عبدالله، ومحمد السيد سعيد، ورضوان الكاشف، ويحيى الطاهر عبدالله، وأمل دنقل، وغيرهم الكثير.
بعد أن تنتهى من رواية «البحث عن دينا» ستدرك أن ذلك نوع مختلف من الكتابة، ربما إبداعنا العربى ليس متعودًا عليه بالشكل الكافى، وهو المزج بين الحقيقى والخيالى، بما يضفى نوعًا من الإشراق الجمالى رغم الوجع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة