كل عام وأنتم بخير، ينتهى ملايين المسلمين من فريضة الحج وعيد الأضحى، لكن الحج مثل كل فرائضنا أصبحت فى زمن السوشيال ميديا مختلفة، ويجتمع ملايين فى الحج من مكة إلى عرفة إلى المزدلفة إلى منى، فالبعض يفضل أداء فريضته على الهواء مباشرة، فى كل خطوة يتخذها، هناك صورة تسجل اللحظة، قبل الخروج من المنزل، هناك سيلفى الوداع والدعاء، ثم مع الإحرام ثم السيارة فالطائرة.. وعرض أسماء من يدعو لهم الحاج أمام الكعبة تأكيدا على أنه لم ينسهم.
بدأ الأمر بالنجوم والمشاهير، ممن كان كل منهم يحرص على نشر صورة فى العمرة والحج مع دعوات، ثم انتقل الأمر إلى ساحات المستخدمين من كل لون، خاصة هؤلاء الذين يمثل لهم عالم السوشيال مجالا للاستعراض والمنافسة، وأتذكر قبل ثلاث سنوات كنت فى الحج ورأيت زوجاً وزوجة من الشباب يلتقطان صورا لنفسيهما أمام الكعبة وفى كل شعيرة، وهما يبتسمان، ورأيت بعض الحجاج يرفعون ورقة بأسماء أقاربهم وأصدقائهم ليرسلوها لهم تأكيدا على أنهم تذكروهم أمام الكعبة.
ومن سافروا لأداء الحج أو العمرة، يعرفون نفرا يتفرغون لالتقاط الصور فى كل خطوة، ليرفعوها على صفحاتهم الشخصية بفيس بوك وانستجرام، وطبعا يرسلون بالواتس، ويحرصون على أن يكون السيلفى خاشعا، وفى العام الماضى رأينا حاجا يحرص على رجم إبليس بالحذاء تأكيدا على الإخلاص فى مواجهة الشيطان، وطبعا حرص على تسجيل اللحظة، ولم يكن الحج وحده، فقد وصل السيلفى مع البعض لتسجيل لحظات ما قبل التراويح فى رمضان وما قبل السجود، مع وصف لمشاعر المصلى وشعور بالراحة والخشوع، وهو ما يذكرنا بنكتة لرجل كان يصلى بخشوع، وأبدى اثنان من الوقوف إعجابهما بصلاته، فقاطعها وقال لهما: «وكمان صايم».
كل هذا يكشف عن جنون البعض فى عالم «السوشيال ميديا»، ورغبة تتملك كثيرين بأن يظهروا وينافسوا النجوم، وحتى يوتيوب أصبح ساحة للتنافس ليس فقط فى فيديوهات فكاهية أو غرائبية، لكنها تصل إلى عالم العبادات والدعوات، وعلى الخط دخلت فتاوى وأحكام يريد أصحابها أيضا المنافسة، إنهم يفتون على فيس بوك وتويتر ويوتيوب، وينافسون فى عالم أصبح كله مجنونا بالسيلفى، ولا يتوقف عن نشر صور الإحرام والطواف وعرفة، وصولاً إلى فيديوهات العودة، وبعد أن كانت الكلمة الشهيرة «حج مبرور وذنب مغفور» صارت «فيس مقبول وسيلفى مبرور»، وكل بوست وأنتم بخير.