السؤال الأهم قبل الإجابة عن سؤال عنوان هذا المقال، الذى يبدو فى مظهره افتراضيًا بينما فى جوهره تكمن التفاصيل التى يمكن أن تفضى إلى أسئلة أكثر صعوبة: هل يمكن أن تدور الدوائر وتحدث المعجزة، ويصبح الربيع العربى خريفًا أمريكيًا بامتياز، بعد أن أصبح على مشارف انهيار واحدة من أعنف التجارب التى كان الغرب يعول عليها فى إحداث نموذج "الدولة الفاشلة" التى تمهد انطلاقتها الكبرى نحو القارة السمراء؟
والواقع أنه يومًا بعد يوم تتضح ملامح نبوءة الباحث الجيوسياسى "عمرو عمار" فى كتابه الكاشف "خريف الاحتلال المدنى"، فبعدما تسرب اليأس إلى نفوسنا جميعًا بأن "ليبيا" قد خرجت من البوابة الخلفية للتاريخ بلا رجعة، على إثر سيناريوهات الفوضى المصطنعة التى عمت غالبية المناطق والأقاليم الحيوية داخل أكبر دولة نفطية أفريقية، بفعل جماعات الإرهاب الأعمى، والتى ترتبط بجسور قوية موصولة بينها وبين قوى الشر الدولية "أمريكا وغالبية دول الاتحاد الأوروبى" إلى جانب قوى الشر الإقليمى فى المنطقة "قطر وتركيا" عبر تدفقات كبيرة من الأموال والسلاح التى تكفى لهدم وتدمير هذا البلد العربى عشرات المرات، ناهيك عن السيطرة على مناطق النفط واستنزاف موارده التى تبخرت من 17 فبراير 2011 حتى وقت إعلان مصادر عسكرية، نجاح الجيش الوطنى فجر الأحد الماضى، من خلال عملية "البرق الخاطف" فى انتزاع السيطرة على موانئ "رأس ﻻﻧﻮﻑ والسدرة والبريقة" النفطية الإستراتيجية بعد هروب الميليشيات التابعة لإبراهيم جضران، شرقى العاصمة الليبية طرابلس.
هذه التطورات وغيرها تشير إلى أن الجيش الليبى دخل مرحلة جادة على طريق التحرير وفك أسر الشعب الذى ذاق الأمرين خلال السنوات الخمس الماضية، وربما تشهد الأيام القادمة أحداثًا دراماتيكية غير متوقعة، ففى خلفية المشاهد العبثية الأكثر دموية من جانب ميليشيات الجماعات المسلحة التى تهدف لنشر الرعب فى نفوس الليبيين، ودفعهم نحو اليأس على شاشات التليفزيون، هنالك قصص وحكايات بطولية أخرى منسية، أو بالأحرى محجوبة عن عدسات التصوير، يسطرها أبناء الشعب من القبائل والتكتلات الرافضة للمخطط الذى يقود ليبيا إلى مرحلة "الدولة الفاشلة"، لكنها تتم بشكل لم ولن يخطر على بال أى من صناع المؤامرات الكبرى فى لعبة السياسة الدولية.
الأمور بدأت تتكشف الآن، ويبدو أن لعنة المنهجية الأمريكية التى استخدمت تيار الإسلام السياسى فى ليبيا لتنزلق نحو الحرب الأهلية وتتحول ليبيا إلى بؤرة جاذبة لكل الجماعات الجهادية بعد أن حظيت بشرعية هذا التيار المتأمرك بدأت تتضح أمام الشعب الليبى، وحتمًا ستأتى لحظة وتحكى بطولات أسطورية من سجل النضال الليبى ضد قوى الشر التى دبرت تلك المؤامرة بليل، تمامًا كما حدث من قبل فى سجل سير أبناء "عمر المختار" فى تصديهم للمستعمر الإيطالي.
وهاهم أحفاد المختار اليوم قد أدركوا اللعبة، وبدأوا يسطرون ملاحم جديدة تفوق فى فعلها الدرامى خيال عتاة كتاب الدراما من فرط براعة وقائعها ومعطياتها الأكثر قدرة وتحدى فى فنون المقاومة، بعد أن ظن كثير من المراقبين أن ليبيا أصبحت دولة فاشلة يحكمها برلمان وحكومة فى طبرق، وبرلمان وحكومة فى طرابلس، وكلا الفريقين المتصارعين يرى فى الآخر العدو غير الشرعى الذى وجب قتاله وتدمير بنيته التحتية، فسقطت الدولة الليبية بين الصراعات القبيلية والأيديولوجية، وباتت أراضيها مسرحًا للعمليات وامتدادًا طبيعيًا للحروب بالوكالة بين العديد من القوى الفاعلة فى الإقليم.
أما المفارقة الكبرى والأكثر دراماتيكية، أن قوى شعبية وسياسية فى ليبيا، كشفت عن تحرك سيف الإسلام القذافى، لتولى السلطة عبر "عودة الشرعية" حال عدم إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، لحل الأزمة الليبية، وأكد أكبر تجمع قبلى فى الشمال والوسط والجنوب الليبى، لوسائل إعلام ليبية - قبل أيام - أن 10 من كبار القبائل الليبية أعلنت مساندتها لمشروع سيف الإسلام القذافى لحكم ليبيا، كاشفة عن اتصالات فى الداخل وخارج لتكثيف المشاورات فى هذا الموضوع، فى وقت توقفت فيه المحكمة الجنائية الدولية عن ملاحقته.
وأوضح لى بعض الليبيين الموجودين فى مصر قبل أيام صحة التقارير الليبية، السياسية والإعلامية، التى تشير إلى أن سيف الإسلام القذافى تلقى تأييدًا مباشرًا وعلنيًا من عدد من القبائل الليبية العريقة التى تدين بالولاء لنظام والده معمر القذافى ليلعب دورًا رئيسيًا فى "الإمساك" بزمام الأمور فى ليبيا، وإعادة الاستقرار، وحكم البلاد فى الوقت المناسب، خاصة بعد السخط الشعبى الكبير من حكم الإسلام السياسى فى ليبيا ومن جماعة الإخوان، التى تحتل العاصمة الليبية طرابلس، وأشاروا لى فى هذا الإطار إلى أن سيف الإسلام القذافى يتطلع لأن تلعب قبائل: ورفلة، وورشفانة، وترهونة، والمقارحة، والقذاذفة، والأمازيغ، والتبو، والطوارق، دورا بارزا خلال المعركة القادمة التى سيخوضها لإعادة الاستقرار لليبيا، وسيكون لمصراته وأتباعها من قبائل العبيدات، والعواقير، والمسامير، والبراعصة، وأولاد سليمان، وبنى سالم، النصيب الأكبر من الهجوم حال بدء إشارة إعادة الشرعية، حال لم تبد ولاءها بشكل مباشر لخطة سيف الإسلام، كما يتطلع سيف الإسلام لمشاركة قبائل أخرى ضمن خطته لاستعادة الأمور لوضعها الطبيعي، ولكن طبيعة التطورات الميدانية بليبيا تتطلب عدم الإفصاح عن أسمائها.
التقارير والمصادر تؤكد أيضًا، أن الكثير من القبائل التى قاتلت إلى جانب القذافى وتعرضت للعقاب، تجد فى سيف الإسلام اليوم "القائد المنتظر" لإعادة حقها، فمدينة بنى وليد -مركز قبيلة ورفله الأكبر فى ليبيا- تتربص بمصراته التى أذاقتها المرّ بعد نجاح الثورة، ومدينة سرت، مسقط رأس سيف الإسلام، ترى فى ابنها "المنقذ" من داعش والإسلاميين فى الغرب، وأن الأمور بدأت تتضح مؤخرًا بعد طول انتظار، حيث انطلقت مشاورات سياسية سرية بخصوص عودة محتملة لعائلة الزعيم الليبى الراحل معمر القذافى إلى داخل ليبيا.
ترى هل يمكن أن تصح نبوءة "عمرو عمار" فى خلاص الأزمة الليبية برمتها على يد الشعب نفسه؟ وهل يمكن أن تكون التفاعلات والتداعيات الدراماتيكية لتلك الأزمة قادرة على توريث الحكم لسيف الإسلام ابن القذافى ميتًا، وهو الذى فشل فى تمكينه حيًا؟!!