ندعو الله سبحانه وتعالى أن يتغمد ضحايا مركب كفر مغيزل بواسع رحمته، ولكن مثل هذه الحوادث المفجعة تلقى الضوء على ثغرات الخلل، وأهمها التواطؤ الشديد الذى جعل إبحار المركب عملية سرية لا يعلم أحد عنها شيئا، رغم وجود 400 شخص يمثلون عددا كبيرا من الأسر، ولم يبادر أحد بالإبلاغ سواء الأهالى أو المسؤولون، وكأنها قرية معزولة تخطط وتنفذ فى الخفاء، ولو بادر شخص واحد بالإبلاع كان يمكن تجنب الكارثة قبل وقوعها، والدرس المستفاد أن العيون يجب أن تكون مفتوحة، وتعاون الأهالى ضرورة ملحة.
وثانى الأمور الغريبة أن مافيا الاتجار بالبشر، عقدوا الاتفاقات، وجمعوا الأموال من الضحايا بآلاف الجنيهات، وأعدوا مركب الموت ولم يكتشف أحد الجريمة إلا بعد الغرق، وهرع الأهالى إلى الشاطئ، ينتظرون انتشال الجثث، فى مشهد مأساوى يثير الأحزان، رغم التحذيرات الكثيرة فى وسائل الإعلام، ووقوع حوادث متكررة، كانت تستوجب الحذر، وليس بأن يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة، والسؤال هنا: من يتستر على هؤلاء المجرمين، ويوفر لهم ظروفا صالحة لممارسة جرائمهم؟
معظمهم من الشباب فى سن العشرين أو أكثر قليلا، وهى سن تتميز بالمغامرة والاندفاع، وعدم حساب العواقب، أو أن الموت أقرب إليهم من الحياة، وخضعوا لعمليات غسيل مخ كاذبة، فخيل لهم أن عبور البحر المتوسط الرهيب، لا يختلف عن السباحة فى ترعة، فلم يعترضوا على ركوب مركب متهالك، وحُشروا فيه بالمئات، غير مبالين بالظلمة الموحشة وغدر الأمواج، فحصد الغرق الرخيص أرواحا بريئة، كانت تحلم بالوصول إلى شاطئ الجنة الموعودة، دون أن يعوا أن وراء الشاطئ، إذا وصلوا سالمين، جهنم بعينها.
حكايات الثراء الكاذب لمن سبقوهم فى الهجرة، زينت لهم الخطر وأعمت عيونهم عن الأهوال، ففى القرية أسطورة فلان الذى سافر منذ عام، فاشترى أرضا وبنى بيتا بالمسلح، ويرسل لأسرته اليورو والدولار، وفلان الذى تزوج إيطالية شقراء، أبوها يمتلك مصنعا، ويعيش معها كالأمراء، وأعموا عيونهم عن أن الهجرة غير الشرعية أصبحت نارا تحرق أصحابها، حتى إذا نجحوا فى الإفلات، تطاردهم الشرطة بالعصى الكهربائية الغليظة، ويحشرون بالعشرات فى غرف تشبه الحظائر، ويتسولون لقمة العيش من صفائح الزبالة، حتى يتم القبض عليهم ويرحلون مكبلين بالسلاسل، وبعد فوات الأوان يستيقظون من كابوس نهايته غرق أو سراب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة