ليست الإكرامية فقط التى تناساها القانون فلا يوجد فى مصر قانون يواجه الاحتكار
«إذا كان القانون هو فقط الذى يحدد أخلاقيات المجتمع فهو مجتمع بلا أخلاق» ونحن بصراحة مجتمع يحتاج القانون حتى فى تحية الصباح. فصباح الخير تحولت فجأة إلى يا صباح المزاج العالى، على أى حال الأخلاق أصبحت مخلوقا منقرضا فى العصر الحديث، حتى إن السياسة الدولية تخلصت من هذا المفهوم تماما وأصبحت الدول الكبرى تفترس الشعوب الضعيفة بأكاذيب وبلا حياء، حتى سارت القنوات الإخبارية أشبه ببرامج الحيوانات المفترسة، فلا الدين ولا العلم ولا التحضر استطاعوا أن يهذبوا الإنسان أو ينزعوا ما فيه من وحشية وجشع، فالفرق الوحيد فى نسب الجريمة من دولة إلى أخرى هو قوة تطبيق القانون، حتى إن الألمان يسخرون من أنفسهم قائلين إن السبب فى قلّة الجرائم بألمانيا هو أنها ضد القانون، لا قالوا لأننا متدينون ولا لأننا متحضرون، قالوا لأننا خائفون.. فكلما كانت الدولة صارمة فى وضع القوانين والعقوبات واهتمت بسرعة التنفيذ وبالقسوة فى التعامل مع المجرمين كلما قلت نسبة الجريمة والعكس صحيح ونحن للأسف نعيش فى «العكس صحيح» منذ سنوات طويلة، فالقانون فى مصر عاجز ونادرا ما يكون ناجزا، فما بين تكدس القضايا فى المحاكم وصعوبة تنفيذ الأحكام وبطء إجراءات التقاضى ضاع العدل بين الناس واختلط الحابل بالنابل.
بل تكتشف إحيانا أن هناك جرائم لا يوجد لها قوانين مثل الإكرامية والبقشيش رغم أنهما المفتاح السحرى لاستخراج أى ورق رسمى، فإذا لم تمتلك واسطة ومحسوبية فى أى مصلحة حكومية فالفراش والساعى هو الحل، نفحة تبدأ من 100 جنيه و«تسلك نفسك». العجيب أننا جميعا ندرك ذلك بينما القانون تناساه أو صدق أن الإكرامية والبقشيش بهذه الطريقة كرم إنسانى وليسا فسادا إداريا، بل إن البعض قد يستهجن كلامى من باب أن الفراشين وصغار الموظفين غلابة، أو يسخر لاهتمامى بمعاقبة الصغار بينما الحيتان تلهو فى بحور الطحينة بلا عقاب أو حتى مساءلة، على أى حال لا فرق بين نقطة خمر وبين زجاجة وهذا الغلبان يجمع ملايين الملايين وينضم بعد برهة للحيتان والأمثلة حولكم كثيرة.. وليست الإكرامية فقط التى تناساها القانون فلا يوجد فى مصر قانون يواجه الاحتكار بشكل واضح أو حتى يوضح ملامحه، لذلك فالغلاء يعجن فى «البنى آدمين» فى كل القطاعات الغذائية والاستهلاكية والسكنية والتعليمية إلخ، وكل قطاع يتحكم فيه أقل من عشرة رجال أعمال وغالبا ما يجلسون ويتفقون ويلعبون بالسوق لتضخيم أرباحهم بلا أدنى منافسة، لأن الشريحة الاحتكارية معروفة لكل واحد فيهم ومغلقة عليه، بل لم يصدر قانون فعال حتى الآن فى الاتجار بالدولار رغم المصائب المتعددة التى ارتبطت باختفائه وانتشار الاتجار به فى كل الشوارع والبيوت!!؟. فقط اكتفى البنك المركزى بمعاقبة أصحاب الأرصدة والمسافرين للخارج والفئة النادرة من رجال الأعمال الشرفاء ومنع عنهم التعامل بالدولار والاكتفاء بالضحكة الحلوة، عشرات القضايا والمشاكل تنتج عن ضعف القانون ولا يسد هذه الثغرات قوة الشرطة لأن بعض الجرائم لا تجرم من الأصل وليس لها تعريف قانونى مثل ضوابط تسعير المنتج وتحديد الربحية ففى معظم الدول الأوروبية هناك ضوابط على أسعار المنتجات بحيث لا تزيد الربحية عن 40% من قيمة الإنتاج. ولكن هنا فى مصر نأكل الزبالة على أنها كباب والأسعار تتضخم بجنون بين المنتج والمستورد والتجار «وأنا وأنت ننهار» هناك قواعد ثابتة لتطور وتقدم أى دولة فى العالم أولها القانون، فإذا كان هناك العديد من القوانين غير موجودة فكيف نطالب بالإصلاح.