«وقام الرجل المتشدد بقتل صاحب الرأى المختلف، وأصابت الصدمة المثقفين فنددوا بهذا العنف، بينما رأى آخرون أن قتل الرجل إنما هو قربان إلى الله»، هذه كلمات النهاية الحزينة الكئيبة المكررة المملة التى تمثل إحدى «مأثوراتنا اليومية» فى أعقاب كل حادث إرهابى نفتح أعيننا فنسمعها على شاشات التليفزيون أو نقرأها فى الصحف، فيصيبنا الحزن لكن لا نعرف السبيل للخروج من هذا المأزق التاريخى والمعاصر والمستقبلى.
الجميع يعرف حكاية الكاتب الصحفى الأردنى ناهض حتر الذى لقى مصرعه على يد التطرف والجهل أمام قصر العدل فى الأردن، وأصبحنا للمرة المليون وجها لوجه أمام الدم الذى حرمت الأديان إباحته وأمام التخلف والضياع وأمام الحاكمين باسم الله ونوابه فى الأرض، الذين فارقتهم السماحة وغابت عنهم، وربما لم تكن موجودة من الأساس، فيقتلون باسم الله ويتذوقون دم ضحاياهم كأنه النعيم الذى وعدهم به ربنا، وهو بعيد سبحانه عما يظنون.
مقتل ناهض حتر يتجاوز فكرة التطرف العنيف الذى يقتل الفكر، فهو ليس مجرد حادثة فردية تكررت آلاف المرات، بل هو طاعون قديم أصاب قشرة الثقافة التى ندعيها ونعيش فيها فى مقتل، ويعكس سيطرة التفكير العنيف والأحادى فى كل الدول العربية تقريبا، فالسجن أو القتل، كما فى عصور الظلام، هاجس يطارد الجميع إن تحدثوا أو علقوا بما يرونه من اختلاف، وعلينا أن نعترف بأننا نعيش فى غابة الغيلان خلف أسوار حجرية صلدة لا يمكن اختراقها بسهولة.
وفى مواجهة أنفسنا سوف نقوم بطرح الأسئلة القديمة ذاتها، وسنسمع الاتهامات نفسها ونشاهد محاولات التبرير كما عهدناها فى كتب التارخ القديمة، الجديد فقط هو ادعاؤنا الدهشة كأنها المرة الأولى التى نرى فيه دما يسيل فى الشارع بلا ذنب سوى كونه قال رأيه وتمسك به أو تراجع عنه، وسوف نخشى أن نقترب من أى استفسار مستقبلى، أو الحديث عن الخروج من النفق الضيق الذى نعيش فيه منذ زمن بعيد.
ربما الحديث عن الخروح من هذا النفق، هو أمر عبثى، لا طائل من ورائه، لأن كل الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فى عالمنا لا تعرف الاختلاف ولا تشجع عليه ولا تحميه، حتى أننا نجد مناهج التعليم فى كل مكان يحيط بنا لا تقدم ما ينقذنا من أنفسنا فى هذا الشأن لأنه من مصلحة القائمين على حياتنا أن نكون قطيعا واحدا لنا هيئة واحدة وليست لنا آراء متعددة.
بعد يوم أو أكثر سيتحول مقتل ناهض حتر إلى مجرد حكاية حزينة فى تاريخ من الحكايات المتشابهة ثم تصيبنا الصدمة عندما يتم إعادة المشهد مرة أخرى بتفصيله المملة.