«ومنين بييجى العنف» يأتى من إسقاط السياق الاجتماعى الذى نعيش فيه، يأتى عندما يغلق البعض أعينهم ولا يرون سوى طريق واحد يؤدى إلى الجنة وهم فقط من يعرفونه، وحينها يرون الآخرين «خرافا ضالة» لا تعرف لها سبيلا، فيرغمونهم على أتباعهم، متناسين أن الطريق إلى متعددة المداخل.
لا أعرف لماذا يصر رجال الدين دائما على القضايا الجدلية، يخوضونها كأنها المرة الأولى التى يقولون فيها هذا الكلام، ويتناسون أنه قيل للمرة المليون قبل ذلك، فها هو الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، يتحدث عن حرمة الموديل العارى، وحرمة رسم الإنسان نفسه ويرى أن فى الطبيعة الصامتة متسع للجميع.
جاء كلام المفتى ردا على سؤال يتعلق بمدى حرمانية تعليم الموديل العارى فى كليات الفنون، وكانت المفاجأة التى تكشف عدم المتابعة أن كليات الفنون ليس بها موديل عارى منذ سبعينيات القرن العشرين بسبب آراء دينية سابقة كانت أيضا تحرم ذلك.
الأزمة تكمن فى أن مثل هذه الفتاوى هى التى تصنع العنف فى المجتمع، حتى لو لم يعرف المفتى ذلك، ففن الرسم تجاوز فى كل الدنيا رسم الشجرة والجبل، وأصبح الطفل فى سنواته الأولى المهتم بفن التشكيل يبدأ بمحاولة رسم وجهى أمه وأبيه وعائلته، ولو قلت له إن الرسم بهذه الطريقة حرام، وعليه أن يكتفى برسم السحاب والشمس فى وقت واحد متجاورين فسوف يترك هذا الفن تماما، وحينها سوف تنطفئ نار الخيال المستعرة فى داخله، وسيظل دائما يفكر فى الأشياء الحرام التى تحيط به وتملأ الأرض.
الفن فى مصر يحتاج لتشجيع وليس لتحريم، وحصر الفنانين فى طائفة أنهم يفعلون شيئا ضد الدين هو أمر خطير على صورة وحياة هؤلاء الناس الذين يحطمون حجر التطرف الذى فى داخلنا ويسمحون للضوء بأن يتسلل إلينا، المفتى لم ينتبه لهذا الجانب الخطر فى «فتواه»، لأننا لم نسمع من قبل، أنه ذهب لمشاهدة معرض للفن التشكيلى يدور حول الطبيعة الصامتة التى يرتضيها مادة للرسم.
كان على الدكتور شوقى علام، وهو رجل يعرف أن كلامه مأخوذ به ويطبقه الناس من بعده، أن يسأل الرجل السائل عن الموديل العارى، عن مدى حاجته للمعرفة، وهل هناك ضرر شخصى واقع عليه، لذا يريد أن يتجنبه بمعرفة الإجابة عن هذا السؤال، وليس الأمر مجرد سؤال عفو الخاطر سأله رجل لم يجد ما يفعله، فقرر أن يتواصل مع دار الإفتاء من أجل «التسلية».