لا توجد فى السياسة أحكام نهائية، ولانظريات حاسمة. هناك خيارات، ونتائج، قد تصيب أو تخيب. ولا تظهر فوراً، لكن من تراكمات. هذا ما تشير إليه أحداث فى اثنين من أكثر دول أمريكا اللاتينية. البرازيل وفنزويلا.. ظلت رئيسة البرازيل، ديلما روسيف، تسعى للخروج من دائرة الاقتصاد الرأسمالى، وأعلنت البدء فى تنمية مستقلة، بمعنى الدوران خارج مراكز الاقتصاد الرأسمالى العالمى. وهو أمر لم يعد سهلاً فى القرن الواحد والعشرين، وينتمى لأفكار كانت ممكنة أيام وجود القطبية الثنائية والحرب الباردة، حيث تتاح خيارات اللعب على الصراعات، فيما عرف بتوازن الرعب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى.
مع الأخذ فى الاعتبار أن الخروج عن الاقتصاد العالمى بقروضه، ورجال أعماله، ودوائر الإعلام والتأثير، يعنى كسب مزيد من الأعداء، لهذا كانت الدعاية قوية ضد رئيسة البرازيل ديلما روسيف. ومن الصعب الرهان على مظاهرات اليسار البرازيلة فى إعادتها للسلطة. بعد تصويت البرلمان البرازيلى على إدانتها بإساءة استعمال السلطة وإخفاء معلومات اقتصادية.
خصوم «ديلما» يتهمونها بالانغلاق والفشل. بينما أنصارها يتهمون الرأسمالية ومصالحها بالسعى لتفشيل تجربتها. والفرق بين الفشل والتفشيل يتلاشى عندما يكون الصوت الأقوى للخصوم، «ديلما» كسبت بعض النخب، وراهنت على نظام اقتصادى، لكنها خسرت الرأسمال وأصحاب النفوذ، والدليل أن أكثر من ثلثى البرلمان صوت بإدانتها. وبالتالى فهى لم تنجح فى حشد مؤيدين لبرامجها. ولم يعد الخارج ممكناً، مثلما كان فى الخمسينيات والستينيات.
نفس الأمر بشكل مختلف، فى فنزويلا، التى ظلت تحت حكم الرئيس السابق هوجو شافيز، الذى تولى السلطة وراهن على التنمية المستقلة، بفوائض البترول الضخمة، قدم للفقراء معونات وأموالاً، لكنه خسر قطاعات الرأسمالية، توقفت الاستثمارات وتراجع النمو.
ويرى نقاد «شافيز» أنه انتهج سياسة اقتصادية كانت صالحة لعقود الحرب الباردة، ولم يستوعب التحولات العوالمية. قالوا«إن الرهان على الفقراء وحدهم، محكوم عليه بالفشل، لكون القطاعات الرأسمالية ترتبط بمصالحها الداخلية، وبمصالح عالمية». ثم إنهم يقولون إنه فشل فى إصلاح الاقتصاد، وتمسك بسياسات دعم كامل من دون تنمية واستثمارات لفوائض النفط، فضلاً عن فساد التهم ماتبقى.
من واقع تجارب «ديلما وشافيز» الفشل والتفشيل فى جزء منه دعاية، وهناك توازنات وتحالفات تحكم أى مشروع سياسى، تتطلب العمل بقواعد تراعى فروق التوقيت والأقطاب.