حتى الآن لم يعتذر رئيس جامعة القاهرة عن تبديد قيمة الجامعة وتشويه رمزها الشهير فى الوجدان المصرى، رئيس الجامعة يريد «التكييف»، وبهذا فضل أن يمد مواسير المكيفات على أسطح قبة قاعة الاحتفالات المركزية على أى شىء، فتحولت قبة أقدم جامعة فى المنطقة العربية وأههمها إلى ما يشبه مقلب القمامة، لتتحول أيضا تلك الصورة التى رصدت تدهور مظهر القبة إلى سكاكين تنهش فى الخيال، تنهش فى التاريخ، تنهش فى المستقبل، تنهش فى العيون.
الكبر وحده هو ما أصاب الدكتور جابر جاد نصار رئيس جامعة القاهرة فجعله يتجاهل كل ما أثير بشأن هذا التشويه المخجل، ناسيا أن الجامعة ليست ملكا له، وليست ملكا حتى لأبنائها فى مصر، بل ملك لكل من شاهدها وتأثر بها، كل من درس بقاعاتها من مصر والعالم العربى وأفريقيا ملك للتاريخ الذى شوهه، وملك للمستقبل الذى يفترى عليه، وهو ذات الكبر الذى أعمى الدكتور أحمد عماد وزير الصحة عن الاعتذار على أزمة نقص ألبان الأطفال متسببا فى «أسبوع آلام» للآباء والأبناء، فبالكبر نهدم تاريخا فى جامعة القاهرة، وبالكبر نقضى على مستقبل فى قلوب أبنائنا.
لو لم يكن غير هاتين الصورتين لتظهرا عمق الهوة التى وصلنا إليها لكان فيهما الكفاية، ولو لم يكن غير هذين المسؤولين ليظهرا مدى التدنى الإدارى الذى وصلنا إليه لكان فيهما الكفاية أيضا، إذ لا تتوقف جريمتهما عند الخطأ الجسيم الذى ارتكباه، وإنما تتعدى بالكثير، فالأول أراد أن يوارى سوأته بتحويل الدكتور مختار الكسبانى الذى اعترض على هذا التشويه إلى التحقيق وإيقافه عن العمل، والثانى أراد أن يتنصل من الأزمة فزج باسم القوات المسلحة فى القضية ليبعد عنه أشباح الفشل، وهو ما يؤكد أنهما غير مؤهلين لحمل أمانة التاريخ والمستقبل.
صورة جارحة، صورة مؤلمة، صورة مخيفة، نعم مخيفة، فأمر شىء على الإنسان هو الهوان، ومن هان عليه تاريخه يهون عليه مستقبله، ومن يهون عليه مستقبله لا أمل فيه ولا رجاء منه، ولهذا فقد أثبت الدكتور جابر جاد نصار بأنه ليس أمينا على أهم جامعة فى تاريخ مصر، كما أثبت الدكتور أحمد عماد أنه ليس أمينا على صحة أطفال مصر، فعشق التاريخ، هو ما يجعلنا نجأر بالشكوى
من حال الجامعة، وعشق البراءة هو ما يجعلنا نصرخ من أجل أطفال مصر، وما بين هذا وذاك تظل الصورة تظل تخدش فى القلوب، وتجرح فى العيون.