بات الداعية عبد المنعم الشحات، أكثر وضوحًا وتعبيرًا عن طائفية التيار السلفى فى تعاملهم مع قضايا الأقباط؛ حيث أنه من وقت لآخر، يخرج علينا الداعية بتصريحات صادمة، ضد المواطنة تهدد السلم الاجتماعى دون رادع أو مساءلة.. فمن يحاسبه إذا كنا نريد فعلا تجديدًا للخطاب الدينى وحماية الأقباط؟ أم سنكتفى - كعادتنا- بغض الطرف ونغمض أعينينا أمام تلك الحقيقة الواضحة تجاه السلفيين.
ولا يزال الرجل على نهجه الذى عهدناه بعد ثورة يناير، فهو يرى نفسه "ليس متشددًا ولكنه أكثر صراحة"، فخرج أول أمس فى لقاء تليفزيونى يؤكد بوجهه الطائفى داعمًا لرفاقه السلفيين الذين لا يلومهم أحد؛ فنوابهم الموقرون فى البرلمان رفضوا قانون بناء وترميم الكنائس؛ ليس لأنه لا يحفظ حقوق الأقباط - كما رآه رافضو القانون-، لكنهم يرون أن القانون يسمح بتغول الأقباط ويطمس الهوية الإسلامية، فأفتى "الشحات" بتحريم مشاركة العامل المسلم فى بناء الكنيسة أو العمل فى مزرعة كنيسة.
واعتبر أن قانون بناء الكنائس شبيه بعهد الرسول مع يهود المدينة، معللا بأن "الدستور ذكر أنه يوجد بناء الكنائس، ونحن لا نسلك مسلكًا بعيدًا عن العهد، أى عن الدستور، وهذا شبيه بعهد الرسول مع اليهود".
الأمر لا يتوقف على هذا فقط، لكن يواصل نهجه الطائفى باعتبار أن "الديانة المسيحية منسوخة"، فإذا كان من حقه أن يقول ما يريد، فهل يتطوع أحد أو حتى المؤسسة الأزهرية لتطالب بمحاكمته بتهمة ازدراء الدين المسيحى، مثلما فعلوا مع إسلام بحيرى وفاطمة ناعوت وغيرهم.
ويرفض "الشحات" صراحة مصطلح "الدولة المدنية" وضد فكرة المواطنة، كما سبق أن أفتى بأنه لا يجوز لغير المسلمين تولى رئاسة السلطة التنفيذية فى مصر، معتبرا أن هناك موانع شرعية ودستورية وسياسية مِن تولى غير المسلم.
ويجسد المشهد الذى أعقب إقرار قانون الكنائس بالبرلمان وهتافات النواب: "يحيا الهلال مع الصليب"، يؤكد أن الدولة ستحرك ساكنًا أخيرًا وتضع حدًا لتجاوزات المحرضين ودعاة الكراهية، ولن تغض الطرف عن ما يفعله السلفيون الذين صدروا وجهًا طائفيًا لا يعترف بالمواطنة والحقوق والحريات، لكن مع التساهل مع السلفيين وشيوخهم سيظل الحال كما هو على أرض الواقع؛ فالمسيحيون – كما يراهم السلفيون: "أهل ذمة ولا مساواة بين المسلمين والمسيحيين فى الحقوق والواجبات".
ليست هذه المرة الأولى أن تردد هتافات "عاش الهلال مع الصليب ومسلم ومسيحى إيد واحدة" من نواب ومسئولين للتأكيد على الوحدة الوطنية، لكن فى الحقيقة هناك من يحرض على الأقباط وعلى كنائسهم، وإذا كان قانون بناء الكنائس ما زال محل جدل حتى الآن، فلماذا لا تتحرك الدولة وتخرس ألسنة من يبثون الكراهية بين الناس، وتطبق القانون وتظهر جدية فى مواجهة المحرضين.
"الشحات" أعلن فى السابق دون استحياء بأن "لديه تحفظات شرعية على تحية العلم والسلام الجمهورى"، وأنه "لا مجاملة فى العقائد والأحكام الشرعية"، وطالب باستقالة الوزير حلمى النميم الذى يؤرقه دائما، فهل يتدخل الأزهر والحكومة لمحاسبة الداعية السلفى ورفاقه وصبيانهم من يبثون الكراهية بين الناس؟.
وفى تصريحاته أول أمس أيضا يعتبر الشحات، أن أموال شهادات قناة السويس، التى طرحت عند إنشائها "حرام"، وأن قرض صندوق النقد الدولى "ربا"، كما ليس غريبا أن يؤيد موقف حزبه السلفى ويعتبر ختان الإناث الذى جاء به الشرع مجمع على مشروعيته.
نواب أقباط رفضوا تصريحات عبد المنعم الشحات، معتبرين أن "أرائه متشددة ونوع من ازدراء الأديان"، وقالت الدكتور سوزى ناشد، عضو لجنة الشئون التشريعية والدستورية بالبرلمان، إن الإسلام يرفض ما يقوله الداعية السلفى وأن الشعب المصرى واع ولن يلتفت إلى تلك الرسائل التى تبث الكراهية، مشيرة إلى أن تصريحات "الشحات" ترسخ للفتنة الطائفية فى المجتمع.
فى السياق ذاته، قالت مارجريت عازر وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، إن تصريحات "الشحات" لا تستحق الرد عليها، لعدم وجود أى سند دينى عليها ولا تمت بصلة إلى أعراف وتقاليد المصريين.
وأكدت أن هناك مسلمين يعملون فى الكنائس والمزارع والورش، كما أن هناك مسلمين يتبرعون للكنائس، مشيرة إلى أن فتاوى الداعية السلفى غريبة على الشعب المصرى، ولا يوجد أى سند إسلامى على ما يقوله، وأن "الشحات يشوه صورة الإسلام".
وشددت وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، على ضرورة تطبيق القانون عليه، مضيفة: "القانون اتطبق على أطفال مسيحيين لقيامهم بعمل تمثيلى لداعش، لكن الشحات قال إن الإنجيل منسوخ، ويخرج بتصريحات غريبة ومحدش بيعمله حاجة".