لابد أن هناك حالة من الاستياء العام قد أصابتنا جميعا بالدهشة والعجب، جراء النيل من جيشنا المصرى العظيم فى هذه اللحظة الفاصلة من عمر الوطن، ففى الوقت الذى يحتاجه منا الجيش أن نسانده فى سعيه الحثيث نحو التخلص من فلول الإرهاب الكامنة فى سيناء، وفى الوقت الذى يضرب أروع الأمثلة فى التحدى والتصدى ببطولات أسطورية مشهودة تجعله تاجا على رؤوسنا جميعا، يخرج علينا حفنة من الموتورين بحملات مسعورة لا تستند إلى عقل أو منطق، فى أعقاب قرار الجيش المصرى باستيراد ٣٠ مليون عبوة حليب للأطفال بهدف دعم الدولة حليب الأطفال لغير القادرين .
لكن الذى لفت نظرى فى الأمر، أنه هناك أساليب من الدعاية الشيطانية تحمل فى طياتها دلالات غاية فى السوء ، وضعت عمدا فى قلب تلك الحملات، ومرت مرور الكرام على شبابنا ، وبذكاء خبيث - على جناح السخرية المقصودة – حيث تعمد هؤلاء الموتورون السخرية من الفرقة "16" ، وهو أمر يقصد به الإساءة لرمزية هذه الفرقة التابعة للجيش الثانى الميدانى ، والتى يؤكد تاريخها العسكرى أنها صاحبة بطولات فريدة فى معارك الشرف والواجب على مدار الحروب التى خاضتها القوات المسلحة المصرية ، وهى نفسها التى تضرب أروع الأمثلة أيضا فى دعم الحياة المدنية والتصدى للإرهاب الآن .
كنت جنديا مجندا فى أحد الكتائب التابعة لـ " الفرقة 16 " قبل 28 عاما، وأتيحت لى فرصة الاقتراب أكثر من سجل بطولات الجيش الثانى الميدانى، بحكم إلحاقى على قيادة الجيش فى معسكر الجلاء ، لأقرأ بشغف شديد جانبا من تفاصيل البطولات الأسطورية التى سجلها مقاتلو "الفرقة 16" فى قلب المعارك الفردية والجماعية خلال حربى "الاستنزاف و6 أكتوبر" ، ومن بين تلك الصفحات ووسط لهيب النار والدخان تبرز أمامى صورا وأخيلة مذهلة لأبطال "الكتيبة 35 فهد" من "الفرقة 16"، تلك الكتيبة التى دمرت 140 دبابة إسرائيلية فى حرب 1973، ومن ثم أطلق على أفرادها "عفاريت عبد الجابر"، ولقد شاهدت "عبد الجابر" قائد تلك الكتيبة، وهو يتوسط أفراد كتيبته فى خيلاء وبجواره محمد عبد العاطى - رحمه الله - أشهر صائد للدبابات الذى تمكن وحده من تدمير 23 دبابة بصواريخ ساجر.
وقبل أن يتمادى هؤلاء الموتورون فى محاولاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعى فى النيل من هذه الفرقة أسوق لهم جانبا من قصة الرعب الذى سببته تلك الكتيبة للجيش الإسرائيلى ، ولحسن الحظ أنها جاءت على لسان رجل المدرعات الإسرائيلى "بارى شمير" قائلا: كم كانت طمأنيتنا كبيرة حين اكتشفنا أن الأهداف التى تواجهنا هم رجال المشاة وليست المدرعات، كان ذلك بالنسبة لنا مفاجأة مطمئنة، حتى أن أحد رفاقى فى الدبابة قال بصوت عالى "إن هذا انتحار من جانبهم، إن المصريين ينتحرون بهذه الطريقة"، والواقع أننا كما علمونا فى سلاح المدرعات تعرف أن دبابة العدو هى المشكلة فهى الهدف الأول، أما المدافع المضادة للدبابات فهى الهدف الثانى وبعد ذلك تطلق النار على المشاة .
ويضيف "شمير": غيرت دبابتى مكانها ثلاث مرات ، وأنا اتصور أنه ما دام شريط المدفع الرشاش فى الدبابة يفرغ الرصاص فإن الجنود المصريين يسقطون فوق الرمال، ولكننى لاحظت أن حركتهم الجماعية لا تهدأ أو تتوقف، ثم لم انتبه لما يحدث ، فبينما كنت منهمكا فى إلقاء قذائف المدفع الفارغة إلى الخارج شعرت فجأة بالنار تشتعل فى مؤخرة المدفع واعتقدت فى البداية أن قذيفة انفجرت فى بيت النار، ولكننى شعرت آنذاك بحرق فى ذراعى،واستطعت أن ألقى بنفسى إلى الخارج من المؤخرة التى كانت لحسن الحظ مفتوحة وتدحرجت بضع مرات على الرمال واتضح لى عندئذ أن ثيابى لا تشتعل، اشتعلت النار فى دبابتى ، وشاهدت قذائف نارية مشتعلة تتنزه فى الصحراء وهى تنطلق من قلب الرمال "يقصد صواريخ الساجر".
اقتربت مع رفاقى الذين كانوا قد قفزوا معى من دبابتنا المشتعلة وأنزلنا منها جالون الماء وانتزعنا المدفع الرشاش من برجها وحملنا معنا القنابل اليدوية وقنابل الدخان، وكانت أيدينا كلها قد أصابتها الحروق، كنا مذهولين وبكى رجل المدفع، وكنا لا نزال عاجزين عن فهم ما يحدث، اختبأنا خلف تلال الرمال، وكنت أفكر طول الوقت فى هذا الصاروخ الغامض، لم أكن اعرف بعد ماذا يسمونه، ولا إنه عندما يخترق الدبابة يولد موجة من الحرارة تزيد عن 1000 درجة مئوية، وأنه يدمر أجهزة الدبابة وإحراق كل من يجلس فيها، لم يكن حظ الدبابات الأخرى فى سريتى بأفضل من حظنا، لقد تم تدمير كل دبابات السرية بنفس الكيفية.
قصة أخرى مشهودة فى سجل البطولات العسكرية المصرية لـ "الفرقة 16" ينبغى أن يدركها عقل هولاء الموتورون عن "معركة الفردان" بقيادة العميد "عبد رب النبى حافظ" فى قطاع شرق الإسماعيلية "الجيش الثاني" والذى مهد فى البداية لمعركة الفردان التى دارت بين "فرقة أدان"، وفرقة العميد "حسن أبو سعدة" يوم 8 أكتوبر 1973، حيث قام العميد "أبو سعدة" قائد الفرقة الثانية مشاة بالجيش الثانى بصد الهجوم المضاد الذى قام به لواء 190 مدرع الإسرائيلى ( دبابات هذا اللواء كانت تتراوح ما بين 75 حتى 100 دبابة ) و خلال دقائق تم تدمير معظم دبابات العدو، وتم الاستيلاء على 8 دبابات سليمة، كما تم أسر العقيد "عساف ياجورى" قائد كتيبة النسق الأول من لواء نيتكا ـ 190 مدرع).
لقد بكى "ياجوري" بكاء حارا فى مذكراته عن تلك المعركة قائلا: حائر أنا ..حيرتى بالغة .. كيف حدث هذا لجيشنا الذى لا يقهر، وصاحب اليد الطولى والتجربة العريضة ؟ كيف وجدنا أنفسنا فى هذا الموقف المخجل ؟ أين ضاعت سرعة حركة جيشنا وتأهبه الدائم؟
ألم أقل لكم أنها أساليب شيطانية للنيل من جيش مصر ؟ ممثلا فى "الفرقة 16" لذا فقد عمدت لعرض نماذج من آلاف البطولات التى سجلها أفراد وضباط وقادة "الفرقة 16" .. فخر الجيش المصرى .