فى كل يوم يخرج علينا قادة الدعوة السلفية فى مصر بتصريحات أقل ما توصف به أنها متناقضة، وأنها تحوى الشىء وضده، وتقيم وزنا كبيرا للمصالح الشخصية، لكن السمة الأغرب والأكثر التصاقا بالسلفية ورجالها هى أنهم يجعلون من الهجوم على «الثقافة»، والأمر غير مقتصر هنا على المؤسسات لكنه يشمل كل ما يتعلق بالهوية والوعى والإدراك والاختلاف، النقطة الأساسية للهجوم على الدولة، لذا فإن السؤال الذى يطرح نفسه هو: «ما الذى يريده السلفيون من «الثقافة»؟
بالطبع الإجابة عن هذا السؤال لن تكون سهلة، ولن تكفى مقالة واحدة للإلمام بأطرافها المتناثرة، لكن سنضرب مثلا واحدا، حدث مؤخرا أن قال عبدالمنعم الشحات، المتحدث باسم الدعوة السلفية، فى أحد البرامج التليفزيونية: إنه لا يدرى سبب هجوم وزير الثقافة حلمى النمنم على الأزهر واتخاذه غرضًا، مضيفًا أن النمنم لا يوجد لديه مانع أن يهاجم السلفيين جمعاء وليس الأزهر فقط، كما أن هجوم وزير الثقافة الدائم على الأزهر دليل على اعتراضه على مؤسسات الدولة ولا بد أن يستقيل موجهًا حديثه لوزير الثقافة، «ارفع إيدك عن الأزهر».
أطالبك عزيزى القارئ بالتوقف أمام دفاع عبدالمنعم الشحات عن مؤسسات الدولة بقوله: هجوم وزير الثقافة الدائم على الأزهر دليل على اعتراضه على مؤسسات الدولة «فهو أمر «غريب» إن لم يكن «مضحكا» فلم نعهد من قبل «السلفيين» مدافعين عن مؤسسات الدولة أو حتى عن الدولة نفسها التى لا يحترمون علمها ولا حتى نشيدها الوطنى وهذا أقل الأشياء.
كما أن القضية التى يتحدث عنها «الشحات» والمتعلقة بتصريحات حلمى النمنم حول مناهج التعليم فى الأزهر وعلاقتها بصناعة العنف والتطرف، يعرف الجميع أنها منذ أكثر من أسبوع وأنها انتهت تماما بعدما صرح حلمى النمنم بأن كلامه فهم «خطأ»، ومن جانبه صرح الأزهر بأن الأزمة انتهت، فما الذى ذكر «الشحات» بها إلا إن كان يقصد إثارة الفتنة، خاصة أنه تجاهل كلام «النمنم» حول سوء الفهم.
يعتبر كثير من السلفيين أن الثقافة فى مصر متهمة دائما بصناعة المختلف والمغاير، الذى يهدد الثبات المميت الذى يعشقه رجال السلفية فى مصر، لذا فالثقافة عندهم كلمة تعنى «العلمانية» بما تمثله هذه الكلمة لديهم من سلبية.
ما أريد قوله هو أن الشحات لا يهاجم حلمى النمنم، لكنه يهاجم «الثقافة» بمؤسساتها وبأثرها، وهو لا يعنى بمطالبته الوزير بالاستقالة أن يأتى غيره لكنه فى الحقيقة يطالب بإلغاء وزارة الثقافة.