تحدث ماركس وغيره من كبار الفلاسفة فى العالم عن «الحتمية التاريخية» ونحن من جانبنا نكرر هذه الكلمة طوال الوقت وندخلها فى سياق حواراتنا دون وعى كامل لمعانيها، بل نظن دائما أنها تعنى أننا ذات يوم سوف نخوض حربنا ضد الكفار من فوق ظهور الجياد بينما السيوف تلمع تحت أشعة الشمس الحارقة، ونتيجة لذلك أن العالم أصبح يسير للأمام بينما نتراجع نحن للخلف لأسباب عدة، يأتى على رأسها أننا غير قادرين على صناعة بنية أساسية للمستقبل، الذى نظنه يتحقق بمجرد مرور الأيام وكأنه أمر حتمى.
تقول الدراسات العلمية، إن نسبة الأمية بلغت نحو %27 من سكان العالم العربى الذى اقترب من الـ400 مليون نسمة، وهو ما يعنى أن هناك نحو 90 مليون مواطن فى العالم العربى يستحقون لقب «أمى» لا يجيدون القراءة والكتابة، وهذا يكشف الصورة الكاملة للمستقبل الذى نحلم به.
وفى مصر لدينا مناطق مهمشة تماما لا يعرف المسؤولون عنها شيئا، ولا يهتمون حتى بالمعرفة، لا يتابعون ما يحدث فى المدارس، هذا إن وجدت من الأساس، فلكم أن تتخيلوا أن فى الصعيد لا يزال الأطفال يسيرون المسافات الطويلة أو يعبرون النيل ليصلوا لمدارسهم الفقيرة التى تفتقد لكل شىء، بدءا من المدرسين وانتهاء بمستلزمات الدراسة.
ولدينا أيضا كارثة كبرى تتعلق بما يسمى بـ«تسرب المدارس» ووزارة التربية والتعليم لا تفكر أبدا فى أن تجد حلا لهذه المشكلة المتفاقمة، التى زادت بشكل كبير بسبب الفقر والمشكلات الاقتصادية وعمالة الأطفال، وأصبح الرأى العام عاجزا عن مواجهة منطقية الأب الذى يحدثك عن حاجته للجنيهات القليلة التى يتحصل عليها ابنه لإقامة البيت المتداعى من الجوع أو يسألك عن أى مستقبل تضمنه لابنه الذى سيقضى قرابة الـ20 عاما من عمره فى التعليم.
نحن نعود للخلف بقوة، لأن أبناءنا الذين نربيهم على الجهل سوف يدمرون كل شىء غدا لكونهم سيعيشون فى دائرة ضيقة لا مجال فيها للتنفس، وسنجد أنفسنا عرضة للدمار والخراب لأننا ذات مرة استهنا بهم وفرحنا بجنيهاتهم القليلة التى لا تغنى من جوع، سينتشر التطرف والإرهاب وكراهية الذات وكراهية الآخر وسنصنع المشكلات لأنفسنا طوال الوقت.
إنه من المحزن جدا أن يتحدث الناس فى بلاد كثيرة عن التطور العالمى والتكنولوجى وعن أطفالهم الذين يخترعون الأجهزة العلمية ويسعون لغزو الفضاء، ونحن لا نزال نتمنى أن يذهب أبناؤنا للمدارس حتى يتعلموا القراءة والكتابة.