فى ظل تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية فى فنزويلا، باتت الأنظار تتوجه إلى رئيس البلاد نيكولاس مادورو ومصيره فى مربع الحكم، خاصة مع تشبث المعارضة بخيار الإطاحة به، لتسير بذلك كاراكاس على سيناريو إزالته من الحكم وهو نفسه الذى حدث مع رئيسة البرازيل ديلما روسيف.
ويتكرر مصادقة البرلمان البرازيلى على إطاحة الرئيس ديلما روسيف من منصبها شهر مايو الماضى بسبب التهم الموجهة إليها والمتعلقة بقضية فساد مالى مرتبطة بشركة النفط الحكومية، الآن فى فنزويلا حيث ناقش برلمان فنزويلا الذى تسيطر عليه المعارضة، إذا ما كان الرئيس نيكولاس مادورو أخل بواجبات منصبه فى الأزمة السياسية والاقتصادية الحادة التى تشهدها البلاد.
ولعل طرح نقاش حول ممارسة مادورو للمهام الدستورية لرئيس الجمهورية، بداية نهاية الرئيس الفنزويلى، حيث أن "مادورو بتخليه عن الدستور، تخلى عن مهام منصبه، أى واجب ممارسة الحكم".
سورى الأصل فى طريقه لرئاسة فنزويلا
وكان مادورو قد أعلن الأسبوع الماضى تعيين طارق العيسمى (42 عاما) فى منصب نائب رئيس الجمهورية"، لافتا الى أن العيسمى "سيتولى هذا المنصب فى الفترة من 2017 إلى 2018 بشبابه وخبرته والتزامه وشجاعته، وترى المعارضة أن السلطة القائمة شلت النظام الدستورى حين علقت فى أكتوبر الآلية التى كان يفترض أن تقود إلى استفتاء لإقالة مادورو.
وولد طارق العيسمى فى فنزويلا عام 1974 لأب ينحدر من السويداء بسوريا، ويخلف بتعيينه أريستوبولو إيستوريز (70 عاما) فى عملية إعادة هيكلة حكومية شدد مادورو على أهميتها المفصلية، وتخرج العيسمى فى جامعة لوس أنديس بفنزويلا، وانتخب هناك رئيسا لاتحاد الطلبة الجامعيين.
وسبق للعيسمى أن تولى وزارتى الداخلية والعدل، فى الفترة ما بين 2008 و2012، فى عهد الرئيس الراحل، هوجو تشافيز، كما شغل عضوية البرلمان الفنزويلى، وانتخب العيسمى، فى وقت سابق، حاكما لولاية أراجوا، وهى من أكثر ولايات البلاد عنفا، مما يعد مؤشرا على درجة الاعتماد عليه فى أجهزة الدولة.
أزمات اقتصادية وصحية وسياسية تهدد بقاء مادورو فى الحكم
وتشهد فنزويلا أزمة اقتصادية حادة على خلفية هبوط أسعار النفط، وأوقعت الأزمة النفطية فنزويلا فى أزمة مالية خانقة أدت إلى بلوغ معدل التضخم قرابة 500% وإلى تدهور كبير لمستوى معيشة المواطنين، وتراجع أسعار النفط الذى يشكل مصدر 96% من عملاتها الصعبة، ومن المتوقع أن التضخم فى فنزويلا يصل إلى 720% إذا تساوى أعلى فئة ورقية للبوليفار 5 سنتات أمريكية فقط فى السوق السوداء.
كما أن احتياطى البنك المركزى الفنزويلى من العملة الصعبة، الذى كان يقدر عند مطلع العام بنحو 17 مليار دولار تراجع إلى 11.2 مليار دولار، وهو ما يعنى أن البلاد فقدت أزيد من 5 مليارات دولار من احتياطى العملة الصعبة، وكانت السلطات الفنزويلية قد أعلنت أن البنك المركزى سيصدر قريبا أوراقا نقدية جديدة فى خطوة تهدف من خلالها الحكومة بهذا البلد، مواجهة نقص السيولة وارتفاع معدلات التضخم.
وبدأ العديد من الفنزويليين وخاصة النساء الهروب من البلاد والتوجه إلى بلدة حدودية كولومبية لسد حاجاتهم من الضروريات الأساسية الغير متوفرة فى بلدهم مثل الطعام والأدوية، وهذا يعتبر علامة جديدة على تفاقم الأزمة فى ظل وجود عجز وتزايد فى معدلات التضخم مما يدفع الملايين إلى إلغاء وجبات والتخلى عن العلاج المرتفع التكلفة.
غير أن الأزمة أوجدت تغييرات فى النظام الغذائى للفنزويليين: فبين 2014 و2015، تراجعت نسبة استهلاك الدجاج من 80 % إلى 69 % لدى السكان، واللحوم من 75 % إلى 60 % وفق تحقيق أجرته جامعات عدة فى البلاد، كذلك أقر 12.1 % من الأشخاص المستطلعة أراؤهم بأنهم لم يعودوا يحضرون سوى وجبتى طعام أو أقل يوميا.
وخلصت دراسة عن أحوال المعيشة أجرتها جامعة سيمون بوليفار إلى أن 87% من الفنزويليين لا يملكون شراء ما يكفى من الغذاء، و72 % من الرواتب الشهرية تنفق على شراء الغذاء فحسب، بحسب مركز التوثيق والتحليل الاجتماعى المقرب من اتحاد المعلمين الفنزويليين.
نقص الدواء يقتل المرضى
وانعكست الأزمة الاقتصادية، على مستشفيات العاصمة كراكاس التى قال الأطباء إن المرضى يموتون فيها بسبب نقص الأدوية، ووسط تلك الأزمة التى صاحبتها الفوضى، يفشل الأطباء فى علاج مرضاهم فى مستشفيات تعمل بدون معدات تقريبا، وتفتقر إلى الحد الأدنى من متطلبات العلاج.
وتخلو المستشفيات من الأدوية والعقاقير الطبية فى حين لا تعمل معظم الأجهزة، بينما تترك أجساد الموتى فى الطرقات بسبب تكدس المشارح والأعطاب التى أصابت الثلاجات، والمرضى يرقدون فى عنابر قذرة بدون تكييف هواء وبدون مياه شرب نظيفة ويحصلون على طعام ردىء، بينما يعتمدون على كميات ضئيلة من المياه لتنظيف دورات المياه التى انسدت بالوعاتها بسبب غياب أعمال الصيانة.
على شفا الإفلاس
وتدفع فنزويلا ثمن السياسات الاقتصادية الخاطئة والمتراكمة لسنوات، وهذا يدل على أن سياسة الاشتراكية أشرفت على نهايتها، وفنزويلا ستصل إلى الإفلاس خلال عامين من الآن، وضعف الاستثمار من الممكن أن يكون المشكلة الرئيسية بالنسبة لفنزويلا، ومن ثم السيولة المرتبطة بتوافر العملة الأجنبية، فضلا عن الحصار الذى يشبه الحصار الاقتصادى التى تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية.
إيقاف رحلات جوية
ومن تداعيات الأزمة الفنزويلية أيضا، إعلان شركة طيران دويتشه لوفتهانزا الألمانية وقف رحلاتها إلى فنزويلا بسبب صعوبات اقتصادية فى فنزويلا ومشكلات فى تحويل عملتها المحلية إلى الدولار، وتواجه شركات الطيران الدولية صعوبة منذ سنوات فى استعادة عائدات تبلغ قيمتها مليارات الدولارات محتجزة بالعملة الفنزويلية المحلية البوليفار بسبب قيود على الصرف الأجنبى مما دفع شركات كثيرة للحد من خدماتها وإلزام الركاب بدفع قيمة التذاكر بالدولار.