أحكام الزواج والعلاقات الأسرية فى الإسلام قائمة على المودة والرحمة والفضل
«وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون»، هكذا وصف الله العلاقة بين الزوجين بأنها بنيان أساسه المودة والرحمة، عنوانه الرحمة والحب والفضل ولا مكان فيها للحقوق والواجبات إلا عند الخلاف فقط، فالأصل أن أحكام الزواج والعلاقات الأسرية فى الإسلام قائمة على المودة والرحمة والفضل وليس على أحكام الخلاف.
الحقوق والواجبات عند الخلاف فقط: هناك من يهين المرأة ويظلمها نتيجة الفهم الخاطئ للدين، والخلط بين الرحمة فى التعامل مع المرأة، وبين حقوق الرجل وواجبات المرأة، فالرحمة والحقوق والواجبات من شرع الله، إلا أن الرجل يقدم الحقوق والواجبات على الرحمة، فيكون كل كلامه مع زوجته عن الحقوق وليس عن الفضل والرحمة، وعندما تعترض يستدل بآية أوحديث ليدعم رأيه، لكنه كما أن هناك آيات وأحاديث تتحدث عن الحقوق، فهناك أيضًا آيات وأحاديث عن الرحمة والفضل، ومن الخطأ أن تطبق الأحكام الخاصة بالخلافات بين الزوجين فى كل مايتعلق الحياة، فتظلم المرأة وتفسد حقيقة الدين، مثل الذين يلجأون إلى التعدد، فبالرغم من أن التعدد من الأمور الثابتة فى الشريعة بالنصوص الواضحة الصريحة، إلا أنه قد يعرض له من الملابسات والمفاسد التى تفوق المصالح المقصودة منه، فيمنع منه حينئذ، كعدم قدرة الرجل على العدل، وخشيته من الظلم، أو نحو ذلك من الأمور التى تجعل المفاسد المترتبة عليه أعظم من المصالح المقصودة منه، ومن هذا المبدأ منع النبى، صلى الله عليه وسلم، على بن أبى طالب من الزواج على ابنته فاطمة رضى الله عنها، مع أن أصل التعدد مباح له ولغيره. وقد ذكر العلماء جملة من الأسباب التى من أجلها منع النبى على بن أبى طالب من الزواج على ابنته، من بينها أن فى هذا الزواج إيذاءً لفاطمة، وإيذاؤها إيذاء للنبى، كما أن الغيرة من الأمور التى جبلت عليها المرأة، فخشى النبى أن تدفعها الغيرة لفعل ما لا يليق بحالها ومنزلتها، وهى سيدة نساء العالمين، خاصة أنها فقدت أمها، ثم أخواتها واحدة بعد واحدة، فلم يبق لها من تستأنس به ممن يخفف عليها الأمر ممن تُفضى إليه بسرها إذا حصلت لها الغيرة، وقد دفع النبى اللبس بقوله فى نفس القصة: «وَإِنِّى لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا، وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا».
النبى مع أهل بيته: لنا فى معاملة الرسول لزوجاته الأسوة الحسنة، فقد كان فى خدمة أهله.. يخصف نعله ويحلب شاته.. كان ضحاكًا فى بيته. كان محبًا ودودًا، عندما كان يسأل عن السيدة خديجة يقول: إن الله غرس حبها فى قلبى.. وهل بعد خديجة من أحد.. كان يلاعب زوجاته ويمازحهن، يراعى احتياجات كل منهن النفسية والمعيشية، فأسكن السيدة ماريا فى العوالى، حيث الخضرة مثل البيئة المصرية. الغيرة من الزوجة على زوجها قد تقع من أفضل النساء، حتى لو كنّ زوجات النبى، صلى الله عليه وسلم، ومواقفه مع زوجاته الدالة على حسن خلقه معهن، وصبره عليهن فى غيرتهن كثيرة، ومنها موقفه صلى الله عليه وسلم الذى قال فيه: «غارت أمكم»، قاصدًا السيدة عائشة.
علاقة تكامل: المرأة ليست فى درجة أقل من الرجل «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (*) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (*) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى»، فذكر الرجل والمرأة بعد ذكر الليل والنهار، ليؤكد علاقة التكامل بينهما، فكما يتكامل الليل والنهار فى مسيرة الحياة، فكذلك الرجل والمرأة يتكاملان لتستمر الحياة، ولابد من احترام حقها فى الزواج، فقد أتى رجل إلى الرسول يسأله: يا رسول الله، تقدم لابنتى رجلان، واحد موسر «غنى»، والثانى معدم «فقير»، فرد عليه الرسول: فمن تهوى ابنتك؟ فقال: المعدم ونحن نريد الموسر. فقال الرسول: «لا أرى للمتحابين إلاّ النكاح»، حتى عند الطلاق يأمرنا الله تعالى: «وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ»، من الرجال من يستخدم الدين ليستشهدوا على سوء المعاملة للمرأة بآيات وأحاديث الأحكام، فيستخدم قوله تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ»، ويتجاهل قوله تعالى «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»، وقول صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى»، وقوله أيضًا: «لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم»، وباسم الدين، قد يضرب الرجل زوجته مع أنه صلى الله عليه وسلم، ما ضرب امرأة قط، يدعوها إلى الفراش فتمتنع، يبحث عن عقوبة الناشز، ويستشهد بالحديث إذا «دعا الرجل زوجته إلى فراشه فأبت فهى ملعونة»، لكنه يتجاهل أن هذا يكون فى حال تعمدت الامتناع عنه بدون سبب، لكن عندما تكون متعبة ومريضة ولا تستطيع، فلابد من مراعاة ظروفها.