صناعة الكتاب فى مصر تعانى بشدة، منذ التفكير فى إصدارها وحتى البحث عن سبل بيعها، لأن فكرة أن الكتاب رفاهية هاجس يسيطر على الجميع هنا، فالناس يعتبرون أن شراء الكتاب رفاهية، أما قراءته فهى قمة الرفاهية، لكن فى بلاد أخرى يكون الأمر غير ذلك، مثلا التقارير فى بريطانيا تقول إنه فى عام 2016 تم بيع كتب بـ1.6 مليار جنيه إسترلينى.
بالطبع لا نتحدث عن الرقم من باب الإعجاب به، لكن التفكير فيما وراءه، فهذا الرقم الكبير تكمن خلفه دلالات كثيرة، منها عدد الذين سعوا لشراء الكتب خلال عام واحد، كذلك يعنى أن الكتابة هناك مهنة لن تبور أبدا، لأنها تجد من يشجعها، خاصة أن الروايات والكتب المتعلقة بالأطفال كان لها نصب الأسد فى هذه الحصيلة، وذلك يعد بمثابة مستقبل للكتاب، لأن الطفل الذى اعتاد شراء الكتاب لن يتوقف عن فعل ذلك عندما يكبر.
أما هنا فى مصر، فالكتاب للأسف هو أول ضحايا عمليات التوفير المنزلى، أو على المستوى الحقيقى، ليس له وجود من الأساس فى قائمة المشتريات التى تفكر فيها الأسرة، لا فى الخطة قصيرة المدى ولا فى الخطة بعيدة المدى، كما أن ظاهرة التلميذ الذى يشترى كتابا من مصروفه أصبحت حدوتة قديمة نقرأها فى درس تعليمى عن عباس محمود العقاد، وربما الدرس نفسه لم يعد موجودا.
بالطبع حجة ارتفاع سعر الكتاب وصعوبة المعيشة ليست كافية، لأننا أحيانا نستهلك نقودا كثيرة فى عمليات رفاهية ما أنزل الله بها من سلطان، دون أن ندرك أن شراء رواية أو كتاب فكرى أو مجلة أو قصة أطفال لها الأولوية مليون مرة قبل هذه الأشياء العادية، المشكلة الحقيقية أن فكرة شراء الكتب ربما لا ترد على أذهاننا من الأساس، بدليل أن الكثيرين الذين تعد حياتهم المادية معقولة أو حتى عالية لا يشترون الكتب أيضا.
شراء الكتاب لن يخرب أى ميزانية، بل سيجعل أفراد الأسرة يعرفون الفارق بين الحقيقى والتافه فى الحياة بشكل عام، كما أنه سيصنع جيلا مميزا يقرأ ما يشتريه ويستفيد منه.
هذا الموضوع يطرح نفسه بقوة قبل انطلاق معرض القاهرة الدولى للكتاب يوم 26 يناير فى أرض المعارض بمدينة نصر، الذى سيستمر قرابة 15 يوما، ويتناسب وقته مع إجازات المدارس، وهو بالنسبة لدور النشر سوقا تنتظره كل عام، ويحتاج بقوة للتشجيع، وبالنسبة لنا فرصة لشراء ما نستطيع من كتب نعد أنفسنا بقراءتها خلال العام، فساعدوا أولادكم بشراء الكتب.