واضح من نتائج معركة الدواء، أن وزارة الصحة خاضتها منفردة، واستبعدت أطرافا كان يمكن أن تلعب دورا فى التفاوض. انحصرت المفاوضات بين الحكومة من جهة والمستوردين وبعض المنتجين من جهة أخرى. بينما بقى الصيادلة ولجنة الصحة فى البرلمان بعيدا، وانتهى الأمر كما هو واضح بفوز الأطراف الضاغطة والمستفيدين من الرفع.
وزير الصحة أعلن أكثر من مرة أن هناك ضغوطا تمارسها أطراف فى الاستيراد والتصنيع، وقال بعد إعلان القوائم إن 3 آلاف دواء فقط تم رفع أسعارها، وهى الأصناف الأساسية التى تمثل فعليا أكثر من نصف الأدوية المتداولة والضرورية. والباقى مكملات أو منتجات لا تعتبر ضمن الأدوية، وحسب عضو فى لجنة الصحة بمجلس النواب فإن منح الشركات حق تحديد اختيار الأصناف المطلوب رفعها، جعلها تختار الأصناف ذات الطلب العالى التى تحقق ربحا مضمونا، وكان الأفضل أن يتم الرفع لكل صنف على حدة.
كانت وزارة الصحة فى جهة والمستوردين فى جهة واللجنة البرلمانية فى جهة ونقابة الصيادلة فى جهة رابعة، وهو ما سهل أن تخرج القوائم بهذا الشكل، حيث تضاعف سعر الأدوية بنسبة تتجاوز المنطق، وتتجاوز وعود وزير الصحة أو الحكومة، مما يضع المريض تحت رحمة الجميع.
وزارة الصحة أعلنت من البداية عن وجود ضغوط، من قبل أطراف متحكمة سواء المستوردين أو بعض المنتجين. وكان يفترض أن تشترك كل الأطراف، خاصة أن لجنة الصحة فى مجلس النواب لم تكن على علم بتفاصيل المفاوضات، وأعلنت أنها قدمت توصيات لم تأخذ بها وزارة الصحة. والنتيجة أنه تم تغييب حوار كان يفترض أن يتم مرة واحدة وتشارك فيه كل الأطراف، ويعرض على الرأى العام حتى يمكن كشف الطرف المتعسف والضاغط، لكن هذا لم يحدث، لم تخرج أى جهة ببيان واضح للناس تعلن فيه عن الأطراف المتحكمة والمتعسفة.
لا يقلل من هذا تصريحات للوزارة الصحة بتقديم ما يسمى «الروشتات العلاجية لغير القادرين» من خلال لجنة ثلاثية، تحدد أنه غير قادر على تحمل فاتورة هذه الروشتة، فهذه الإجراءات تفتح باب الواسطة، وتؤخر حصول المريض على الدواء.
والنتيجة أننا أمام لعبة انتهت لحساب التجار، وعلى حساب المرضى، وهى أزمة يتوقع أن تتجدد ما لم ينتبه القائمون على الأمر بمواجهتها، كما أشرنا بطريقة التفاوض من المنبع، وخلق بدائل، وكسر الاحتكار، وكان يمكن لوزارة الصحة أن تلوح بورقة البدائل، بعد أن تضع معها الأطراف الأخرى، لكن الانفراد بالقرار هو ما أدى لأن يدفع المرضى الثمن.