أتمنى من كل شباب مصر من رواد مواقع التواصل الاجتماعى وغيرها من ساحات الفضاء التخيلى المكدسة بكثير من غث الحكايات والقصص، أن يحولوا الدفة قليلا على الموقع الرسمى لوزارة الدفاع المصرية، ليشاهدوا فيلما قصيرا فى مساحته الزمنية، كبيرا فى معانيه الوطنية، بعنوان "اتحدى نفسك"، والذى يتناول إحدى القصص البطولية الحية والواقعية لخير أجناد الأرض، الذى لم تنل الإصابة من عزيمته وإصراره وحبه لوطنه.
إنه الملازم أول صاعقة "أحمد محمد عبد اللطيف" الذى بدا لى ولكثير من المشاهدين برباطة جأش وعزيمة تعلوها روح معنوية عالية تطاول فى قاماتها هامات السحب، وهو يتحدث لأول مرة أمام الكاميرا عن رحلته القصيرة فى الحياة، والتى حقق من خلالها إنجازات وبطولات معجزة، تحدى فيها إعاقته التى نجمت عن فعل إرهابى لم يثنه عن مواصلة المشوار، بل زاد بتر ساقه الأيسر عزيمته وأكسبه صلابة نادرة نابعة من إيمان عميق يندر أن تجد له مثيلا فى صفوف أى الجيوش على وجه الكرة الأرضية.
إنه واحد من خير أجناد الأرض المخلصين الذين عشقوا الجيش، ورغم أنه وحيد أبويه كانت لديه رغبة عارمة للالتحاق بسلاح الصاعقة بالقوات المسلحة المصرية، وهو ما يرجع إلى حبه لهذا السلاح، رغم تخوفات البعض له منه، إلا أنه أكد أن السر لديه يمكن فى كلمة "فدائى" التى تطلق على كل رجال الصاعقة المصرية، نظرا للتضحية فى سبيل الوطن، ليقول بفخر وشمم فى حوار مسجل مع الإعلامى معتز الدمرداش، ببرنامج "90 دقيقة" على فضائية المحور: "داخل فرقة الصاعقة أنت فدائى مش طالب ولا ظابط ولا أى حاجة غير فدائى".
فى خلال هذا الحوار الذى تضمن تقريرا قصيرا يحكى قصة هذا الشاب المصرى الملازم أحمد محمد عبد اللطيف، أحد ضباط الصاعقة المصرية الذى واجه الموت مرات عديدة مع زملاء نفس السلاح، يمكنك أن تستخلص كثيرا من العبر والعظات التى جاءت على لسان هذا البطل الشاب الذى تعلو جبهته علامات التفاؤل مصحوبة بالأمل والإيمان بالقضاء والقدر، وهو يقول ببشاشة وجه يكسوها الرضا: "كنت فى سيناء وأصبت فى انفجار عبوة ناسفة وبترت ساقى"، قالها وهو مرفوع الرأس غير عابئ بالذى جرى، وذلك على الرغم أن ما أصابه أعاقه بالضرورة عن استكمال مسيرته فى سيناء، إلا أن كلمات التفاؤل والسلام الداخلى الذى تحلى به هذا الشاب تخبرك بأن تلك العبر والعظات ينبغى أن تترسخ فى عمق الذاكرة المصرية الشابة على طول الأيام، حتى تكون نبراسا حيا لأجيال اليوم والغد ممن لم ينخرطوا بعد فى صفوف الجيش، مصنع الرجال، ومجسد البطولات الحقيقية فى ساحات الوغى.
يضيف البطل أحمد عبد اللطيف فى شجاعة نادرة وثبات يحسد عليه عبر حواره : " اللى حصلى نصيب كان هيحصلى سواء فى سيناء أو خارج سيناء"، موجها رسالة للمصابين فى العمليات: "الناس اللى أصيبت عايز الحاجة دى لا توقفكم وحقق هدفك وبالعكس ممكن ربنا يفتحلك طريق تانى بسبب إصابتك، و الواحد لو عنده هدف لازم يحققه مش مهم بقى إيه اللى حصله"، ويضيف فى حسرة وأسى: "لما عرفت إن زميلى استشهد الشهيد أحمد خالد زهران، كانت أصعب لحظة، بالنسبة لى".
ويبدو بطل الصاعقة المصرى غاية فى الرجولة والتفانى فى حبه لتراب هذا الوطن، بل أظهر ابن العشرينات من العمر قدرا كبيرا من تحمل المسئولية بقوله : إن أهله لم يعلموا بإصابته فى العمليات العسكرية فى سيناء ، وتفاجئوا به فى المستشفى ، مشيرا إلى أنه لم يبلغ أسرته بذهابه إلى سيناء آنذاك ، واكتفى بإبلاغهم بأنه يتواجد فى السويس ، مستدركا : " أخفيت عليهم لأن الوضع فى سيناء صعب ".
ولابد للمرء أن يتساءل : أى نوع من الرجال هؤلاء؟ ، وعلى أى أرض ولدوا، ثم رضعوا حليبا ممزوجا بمرارة أيامنا ؟، وكيف شبوا على هذا الطوق من تحمل المشاق والأعباء التى تنوء بها الجبال ، وهم مازالوا زهورا ربيعية يانعة فى دروب أيامنا المعبدة بأشواك الإرهاب الأعمى ؟..أغلب الظن أن السر يمكن فى باطن تلك الأرض المصرية التى تحمل روح المحبة والسلام، التى ماتزال ومن قديم الأزل تجرى مع مياه النهر الخالد لتصب فى شرايين المصريين العزة والكرامة والحرية .
كان يمكن لهذا البطل أن يتوقف عن مواصلة المسير لكنه أبى أن يسكن فى حظائر النسيان، مكتفيا بأن يكون ذكرى جميلة سرعان ماتمضي، لكنه آثر أن يكون طعامه: الكسرةُ .. والماءُ .. وبعض الثمرات اليابسة، ليواصل درب البطولات الرياضية، رافعا علم مصر فى كافة المحافل الدولية ، وبعد أن حارب حدود الإرهاب مع زملائه الأبطال من عناصر الصاعقة المصرية فى شمال سيناء، صمد متحديا الخسة والغدر التى أفقدته إحدى ساقيه ، وترفع روح أحد زملائه شهيدا إلى بارئها ، إلا أن أحمد قد تماسك وظل واقفا على قدم واحدة ، ليؤكد أن المقاتل المصرى لا يسقط فى ساحات الوغى إلا شهيدا حيا ينعم فى ملكوت ربه، ولم تمضى على الحادث الأليم سوى أيام قليلة حتى أثبت بعدها أنه قادر على الصمود والتحدى فى ميادين أخرى .
لقد قرر أن يواصل حربه على الارهاب بطريقته وهى أن يتحدى الإعاقة الصغرى التى أصابت ساقه بأن يستمر مقاتلا شديد البأس فى مجال الرياضة، فالتحق بالمؤسسة الرياضية العسكرية لاستكمال خدمة وطنه وتحقيق البطولات والإنجازات لمصر، وبالفعل حصل بطل الصاعقة على بطولات جديدة تضاف لبطولاته المحلية على مستوى الجمهورية ورصيد بطولاته الدولية كبطولة إفريقيا وبطولة العالم لرياضة الملاحة، وهو يطمح الآن فى تحقيق مزيد من الإنجاز، من خلال المشاركة فى بطولة العالم بالسويد خلال الفترة من 16 إلى 30 أغسطس 2017 - بحسب ما نشره المتحدث الرسمى باسم القوات المسلحة الذى نشر على صفحته فيديو يوثق بطولاته.
هاهو البطل الشاب يصفع الإرهاب على وجهه يوميا باصراره على مواصلة الحياة والتدريب الشاق واقفا صالبا عوده، رافعا رأسه إلى عنان السماء، وعيناه تلمعان ببريق النجاح والتحدي، وكأنه يقول لرصاص الإرهابيين الذى نال من ساقه فى سيناء : إما ترفع روحى شهيدة حية عند خالقها ، وإلا سأظل أحاربك بقدمى ولو كانت مبتورة دون أن ينحنى ظهرى فى كل ميدان أغدو إليه متوجا بأوسمة الفخار على صدرى فوق منصات التكريم، ومن خلفى علم بلدى يرفرف خفاقا عاليا.
تحية تقدير واحترام للبطل أحمد عبد اللطيف، الذى يفخر به والداه، ونحن معهما نفخر به نموذجا يحتذى من شباب خير أجناد الأرض.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة