أصبحت الشائعات إحدى الظواهر المقلقة، التى نعانى منها فى مصر، نظرًا لتأثيراتها السلبية على الجمهور، وعلى الأداء الحكومى، ومن تحليل أغلب الشائعات التى ترصدها، «اليوم السابع»، يتضح أن لها أهداف تخريبية، وأنها مصنعة بطريقة احترافية تستغل الغموض والتضارب فى بعض القرارات الحكومية، والأهم تستغل حالة القلق والتوتر لدى المصريين، خاصة فى الأسابيع الأخيرة التى ارتفعت فيها الأسعار بشكل جنونى، بينما الأجور والرواتب واقفة لا تتحرك.
أغلب الشائعات تعتمد على قدر من الحقائق والوقائع الصحيحة، لكنها تخلق ارتباطات خاطئة أو تختلق وقائع لم تحدث وتدمجها فى الوقائع الحقيقية أو التصريحات الحكومية. والمشكلة أن ردود أفعال الحكومة أو المتحدثين الرسميين للوزارات تأتى بطيئة وأحيانًا غير كافية، ووفقًا لما ذكره كناب Knap فإن هناك ثلاث خصائص عامة للشائعات، هى أنها: أولًا: صورة من صور التواصل تستخدم القناة غير النظامية من الفم إلى الأذن، وهى وسيط يتعارض على وجه الخصوص مع دوام النص المكتوب. ثانيًا: تقدم محتوى إعلاميًا عن فرد أو حدث. ثالثًا: تعبر عن حاجات الأفراد الانفعالية وتلبيها فى الوقت نفسه.
هكذا يتضح المكون الاتصالى والإعلامى فى تعريف الشائعات وتحديد خصائصها، وقد ازداد هذا المكون وضوحًا فى ظل ثورة الاتصال والمعلوماتية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعى، حيث ظهر تعريف حديث ينص على أن الشائعة هى قدر محدود من المعلومات التى تهم مجموعة من الناس، وهى تشبه الأخبار، غير أنه لا يمكن التثبت من دقتها، وقد تتضمن بعض الحقائق، وقد تنتشر بالكلمة المنطوقة «بالكلام الشفهى» أو بالفاكس أو بالبريد الإلكترونى، أو وسائل التواصل الاجتماعى، وغالبًا ما يتم تقديمها للآخرين بعبارة «لقد سمعت أن».
ورغم اتفاق الباحثين والخبراء على أهمية الاتصال والإعلام الجماهيرى فى تكوين وترويج الشائعات أو مواجهتها، فقد ظهر وما يزال جدل ونقاش حاد حول طبيعة العلاقة بين الإعلام والشائعات، وتبلور فى اجتهادين: الأول: يربط بين تطور وسائل الاتصال الحديثة، وقدرة أفراد المجتمع على استخدامها وبين زيادة القدرة على مواجهة الشائعات والحد منها، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الشائعات أكثر قوة، وانتشارًا وتأثيرًا، فى المجتمعات التى تعتمد على الاتصال الشفهى، وتغيب أو تضعف فيها وسائل الاتصال الجماهيرى، لكن الصورة تغيرت فى ظل المجتمع الجماهيرى الذى تنتشر فيه وسائل الإعلام، والذى يتطور نحو مجتمع المعلومات Information Society وعولمة الإعلام، إذ أصبح من الصعب إخفاء الأخبار أو تشويه الحقائق. الاجتهاد الثانى: يركز أصحاب هذا الاتجاه على بعض الأدوار السلبية لوسائل الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعى فى نشر وترويج الشائعات، سواء بقصد أو بدون قصد، ويؤكدون أن فيض الأخبار والمعلومات والآراء قد يولد أحيانًا نوعًا من التجاهل أو الارتباك لدى فئات معينة من الجمهور، كذلك فإن تطور وسائل الإعلام والاتصال لم يمنع من ظهور ما يعرف بالفجوة المعرفية Knowledge gap والتى يقصد بها تباين المعلومات بين فئات المجتمع لصالح الفئات ذات المستوى الاجتماعى والاقتصادى والتعليمى الأعلى، وتعتبر فجوة المعرفة أحد أسباب فشل الحملات الإعلامية، كما أنها تعوق وتقلل من تأثير الإعلام، وتؤدى لزيادة التوتر فى النظام الاجتماعى، ويبدو أن مروجى الشائعات يستغلون هذه الفجوات فى مصر ويعملون من خلالها.
ويخلص أصحاب الاجتهاد الثانى، إلى أن تطور وسائل الإعلام والاتصال وفاعلية وقوة النظام الإعلامى لن تقضى على المناخ الاجتماعى أو النفسى الذى يولد الشائعات، فالشائعات ستظل حاجة نفسية واجتماعية بالنسبة للأفراد والجماعات والمجتمعات، خاصة وأن ثورة تكنولوجيا الاتصال والإعلام والمعلوماتية تدعم من شبكات الاتصال الشخصى والجمعى القائمة على الاتصال الشفهى والمباشر، والتى قد توفر مناخًا مواتيًا لانطلاق وتداول الشائعات.