منذ «30 يونيو» ومصر تراهن على إعادة ترتيب علاقاتها مرة أخرى مع إثيوبيا والسودان، ليس فقط فيما يتعلق بملف سد النهضة، على أهميته الشديدة، لكن أيضا بآلية تعاون ثلاثى تشمل كل المجالات التى تعود بالنفع والمصلحة على شعوب الدول الثلاث، وألا تقتصر على موضوعات المياه، ومن بينها إنشاء الصندوق الثلاثى الاستثمارى المشترك، الذى يهدف إلى دعم التعاون بين الدول الثلاث من خلال مشروعات استثمارية مشتركة فى المجالات التى يتم تحديدها والاتفاق عليها.
الرهان المصرى قائم على مبدأ تؤمن به القيادة المصرية، وهو أنه لا يمكن بناء المصالح على سوء التفاهم وانعدام الثقة بين الدول، وإنما بالتعاون بين الدول بعضها البعض، ومن مصلحة مصر وإثيوبيا والسودان أن يكون تعاون لا تنافر، خاصة أن هناك خصائص وتاريخا مشتركا يجمع الدول الثلاث، لذلك حاولت ولاتزال تحاول مصر إنهاء أى مظاهر للتوتر مع الأشقاء فى السودان، والإخوة فى إثيوبيا، لكن هذه المحاولات غالبا ما تقابل بمواقف غريبة خاصة من الجانب الإثيوبى، الذى يحاول أن يهرب من مشاكله وأزماته الداخلية بتصعيد الحرب الكلامية مع القاهرة، ومنها على سبيل المثال اتهام مصر بدعم المعارضة والأورومو ضد الحكومة الإثيوبية، رغم صدور تأكيدات مصرية على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسى، بأن مصر لم ولن تتدخل فى الشأن الداخلى الإثيوبى.
وقتها اعتقدنا أن المسؤولين فى إثيوبيا اقتنعوا بالنفى المصرى، والتأكيد أيضا على حرص القاهرة على أمن واستقرار إثيوبيا، لكن النهج الاتهامى مازال يسيطر على عقول النخبة الحاكمة فى أديس أبابا، فقبل شهر تقريبا خرج علينا رئيس وزراء إثيوبيا هيلى ماريام ديسالين، بتصريحات غريبة لقناة الجزيرة القطرية، قال فيها نصا: «فيما يخص مصر فقد قلنا مرارا وتكرارا إن هناك مؤسسات مصرية تؤوى وتستضيف وتمول جماعات إرهابية إثيوبية مثل جبهة تحرير الأورمو، وجماعات أخرى مثل جماعة جنبوت 7، وقد نفت السلطات المصرية صلتها بتلك المؤسسات، لكننا طالبنا الحكومة المصرية باتخاذ الإجراءات الملائمة إزاء هذه الجماعات التى تصول وتجول فى القاهرة وتتلقى الدعم المادى والمعنوى والسياسى»، وفى رده على سؤال حول الرد المصرى، قال ديسالين فى إشارة إلى المسؤولين المصريين: «أبلغونا أنهم يحققون فى الأمر، وطلبوا منا معلومات فأعطيناهم المعلومات المتوفرة على الإنترنت، ومازلنا فى انتظار ردهم».
بالتأكيد هناك أطراف حاولت الفترة الماضية أن تدخل على خط العلاقات المصرية الإثيوبية، لإفسادها، ورأينا جميعا زيارات من مسؤولين لدول بالمنطقة قاموا بها إلى أديس أبابا، وكانت لهم نقاشات وتصريحات يشتم منها رائحة التسخين الإثيوبى ضد مصر، سواء فى ملف سد النهضة أو غيره من الملفات العالقة، لكن من الواضح أن الأمور ستعود مرة أخرى إلى ما كانت عليه، تحديدا بعد تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى، الرئاسة، وهى الفترة التى شهدت توافقا وتعاونا مصريا إثيوبيًّا، وأن يتناسى الجانبان ما حدث طيلة الأشهر القليلة الماضية التى وصل التوتر فيها إلى مرحلة ظن البعض أن البلدان اقتربا من الصدام.
من مظاهر التقارب المصرى الإثيوبى من جديد، اللقاء الذى جمع أمس الأول الجمعة، وزير الخارجية سامح شكرى بنظيره الإثيوبى وركنو جيبيهو، فى مقر وزارة الخارجية الإثيوبية، والذى يمهد لقمة بين السيسى وديسالين على هامش القمة الأفريقية هذا الأسبوع، وأيضا إفراج السلطات الإثيوبية عن ثلاثة مصريين سبق أن اعتقلتهم بتهمة دعم المعارضة الإثيوبية، وهناك سبب آخر أراه مهمًّا، وهو انتهاء فترة عمل السفير الإثيوبى بالقاهرة محمود درير، فهذا الرجل أسهم بشكل كبير فى توتير العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا، وهى معلومة يدركها مسؤولو الخارجية المصرية الذين عانوا كثيرا مع هذا الرجل وتقاريره الكاذبة عن مصر ونيتها تجاه إثيوبيا، ويأمل الجميع أن يكون تاييه أسكيسيلاسى، سفير إثيوبيا الجديد لدى مصر، عاملا مشجعا لتنمية العلاقات، خاصة أنه كان له دور إيجابى فى ذلك حينما كان يتولى منصب وزير الدولة الإثيوبى للشؤون الخارجية.