أعادنى رحيل المطران«كابوتشى»،أول أمس، إلى سنوات طفولتى وخلالها كان اهتمامنا بالقضية الفلسطينية فى عنفوانه، أذكر أن خبر قيام إسرائيل باعتقاله فى شهر أغسطس عام 1974 تصدر كل وسائل الإعلام العربية، وفى طليعتها مصر، فالرجل كان رمزًا دينيًا رفيعًا يشغل موقع مطران كنيسة الروم الكاثوليك فى القدس منذ عام 1965.اعتقلته إسرائيل بتهمة تهريبه للأسلحة للمقاومة الفلسطينية، وقالت سلطات الاحتلال إنها ضبطته ومساعده فى سيارته وكان بها أسلحة ومتفجرات، وحكمت عليه محاكم الاحتلال بالسجن 12 عامًا قضى منها 4 سنوات، ثم أفرج عنه بعد تدخلات من الفاتيكان عام 1978، لكن الإفراج كان مشروطًا بالطرد من فلسطين، فقضى بقية حياته فى منفاه بروما.
شغلت محاكمته وسائل الإعلام العربية والعالمية،وكانت فرصة إضافية لإظهار الاحتلال الإسرائيلى فى أبشع صوره،وبلغ الاهتمام به حد أنه تم طبع تذكار بريدى يحمل صورته فى مصر والسودان وليبيا والكويت،وأتذكر أن قصته كرجل دين مسيحى سورى مولود فى مدينة حلب عام 1922، ومناضل من أجل القضية الفلسطينية أثارت خيال سينمائيين منهم المخرج الراحل يوسف شاهين،الذى أعلن أنه يفكر فى عمل فيلم سينمائى عنه.
بالطبع فإن هذا الاهتمام العربى به وبقضيته وقت اعتقاله ومحاكمته كان فى عمومه انعكاسًا للاهتمام بالقضية الفلسطينية، غير أن خصوصية«كابوتشى» تكمن فى أنه كان رمزا دينيا رفيعا، فشغله مطرانا لكنيسة الروم الكاثوليك كان بمثابة كسر للصورة النمطية والتقليدية لرجل الدين، فهو لم يفصل بين وظيفته الروحية ودوره الوطنى فى مقاومة الاحتلال، وبالطبع فإن مقاومة الاحتلال أرفع وأنبل قضية يمكن أن يرتبط بها أى مقاوم، ولأنه بهيئته ومكانته وهيبته الدينية سخر نفسه لهذه القضية النبيلة ظل باقيًا فى وجداننا العربى المقاوم.
عاش كابوتشى منفيًا فى روما، لكن النضال من أجل فلسطين لم يغادره أبدًا، وفى عام 2009 كان على متن سفينة الإغاثة «أسطول الحرية» التى كانت تحمل الأمتعة والغذاء لأهالى غزة المحاصرين، والمعروف أن إسرائيل منعت دخول هذه السفينة وتم الاعتداء عليها.
رحم الله هذا الرمز النضالى العظيم، الذى رحل فى زمن أصبح فيه حمل السلاح لمقاومة الاحتلال جريمة يعاقب عليها الذين قرروا تكريمه من قبل بإصدار تذكار بريدى خاص به.