إرث الحريرى الأب أصبح على حافة الهاوية ويحتاج الى جبهة إنقاذ، فكرة بدأ البعض يروج لها مؤخرا بكثرة على الساحة اللبنانية، تحمل فى طياتها تلميحات إلى فشل رئيس الوزراء سعد الحريرى فى حماية إمبراطورية والدة المالية ومكانته السياسية، مع الترويج على استحياء لأسم بهاء الحريرى الأبن الأكبر للرئيس رفيق والذى يرغب البعض فى رسم صورته على أنه المنقذ الذى يظهر بعد عشر سنوات من اغتيال والده لحماية ما تبقى.
بهاء الحريرى، الذى اختفى فى غضون أيام بعد اغتيال والده بعد أن رجحت كفة سعد فى ميزان القوى الإقليمية التى كانت تتحكم فى كلمة لبنان آنذاك يظهر اسمه بين الحين والآخر كلما تعثرت خطوات رئيس الوزراء اللبنانى، إلا أن ظهوره فى الأيام القليلة الماضية واحتلال اسمه لمساحات كبيرة من الصحافة اللبنانية يوحى بأنه ظهور له دلالات جديدة.
هذا الظهور مجددا لبهاء الحريرى يأتى فى وقت حاسم حيث تعيش لبنان وسط احتدام للنقاشات فيما يخص الانتخابات النيابية المقبلة ووفقا لأى قانون ستُجرى، وهى المعركة التى يتحسب لها رئيس الوزراء سعد الحريرى بعد أن منى فى الفترة الأخيرة بخسارة تلو الآخرى سواء على الساحة السياسية أو الاقتصادية.
فمنذ أن تم التوافق فى بيروت على إنهاء الفراغ الرئاسى فى أكتوبر الماضى استطاع حزب الله أن يتغلغل ومن خلفه النفوذ الإيرانى مجددا، بعد أن اقتنص من الحريرى أغلبية وزارية فى أول حكومة بالعهد الجديد، والآن يجاهد الحريرى فى إقرار قانون انتخابى يضمن له السيطرة على مجلس النواب المقبل وسط أمل ضعيف فى ذلك، حيث تتكتل أغلب الأطراف وخاصة الرئيس ميشال عون خلف إقرار قانون يضمن تمثيل عادل لكافة الأطياف.
أما وضع رئيس الوزراء الاقتصادى فليس أفضل حالا من وضعه السياسى، حيث مثل العام 2016 ذروة أزمته المالية والتى تعانى منها المؤسسات التابعة لتيار المستقبل، والتى تمثلت فى انقطاع الرواتب عن بعض الموظفين أو تأخرها عن البعض الآخر والتى طالت حتى العاملون فى تلفزيون "المستقبل" والصحيفة التابعين للتيار.
وفى الوقت الذى غرق فيه سعد الحريرى فى دوامات الأزمات المتتالية برزت الأنباء عن نية بهاء العودة إلى لبنان والتحرك سياسياً فى وجه شقيقه فى الانتخابات المرتقبة، وقالت صحيفة الأخبار اللبنانية أن الشقيق الأكبر قرر أن يواجه الحريرى انطلاقاً من أنّ هذا تيار ابيه، فتداعى مؤسسات "المستقبل" وصورة مؤسسها مالياً وسياسياً ووجودهم على حافة الانهيار يستدعى تدخلاً من عائلته لإنقاذ ما تبقى.
ويدلل المروجون إلى أن بهاء الحريرى اتخذ قرار بمواجهة شقيقه سياسيا فى الانتخابات المقبلة بعلاقته الجيدة مع وزير العدل السابق أشرف ريفى المعروف بخلافه مع رئيس الوزراء اللبنانى، حتى تردد أن بهاء وقف خلف ريفى فى انتخابات البلدية التى أجريت العام الماضى حتى نجح واقتنص مقعد طرابلس من مرشح سعد، وهو ما اعتبره البعض بوابة لعودة بهاء إلى الحياة السياسية اللبنانية مجددا.
ونقلت الصحافة اللبنانية، عن مصدر قريب من بهاء الحريرى قوله إنه على تواصل مستمر وشبه يومى مع ريفى ويلتقيان من حين لآخر، وأن المعروف حتى الآن أنّ بهاء قرر العودة للبنان، فبعد فوز وزير العدل السابق فى الانتخابات البلدية فى طرابلس أخيراً، يبدو دور بهاء أكثر وضوحاً من قبل. حتى أن ريفى تحدث خلال الأيام الماضية بصراحة عن لقاءاته واتصالاته الدائمة مع بهاء، وعن خلاف الأخير مع شقيقه سعد على اختيار مرشحه لرئاسة البلدية، ورغم رفضه الإفصاح عن فحوى لقائه مع بهاء بعد الانتخابات البلدية فى طرابلس، إلا أن اللقاء نفسه حدث كاف لتأكيد اتساع الهوة بين الشقيقين بشكل غير قابل للإصلاح.
ويستغل بهاء الإجراءات التى اتخذها شقيقه مؤخرا وقلَبت عليه بعض الكوادر داخل تيار المستقبل، حيث أطلق سعد خلال العام الماضى حملة "إنقاذ" للحزب استبعد خلالها كل "الحرس القديم" للتيار فى طرابلس وبيروت وصيدا وكل لبنان تقريبا، وأكدت مصادر داخل التيار أن الجمهور السنى لم يهضم فكرة الانهيار المالى والاقتصادى والسياسى وكذلك التخلى عن ثوابت تعود عليها.
وإذا كان بهاء بإمكانه اللعب على المتمردين داخليا على شقيقه فهو يعلم جيدا أن أكبر أزمة ستواجهه أنه لا يملك غطاء اقليمى داعم له إذا طرق باب السياسة فى لبنان، إلا أن البعض ألمح الى أن الخليج رفع يده عن الحريرى مؤخرا بعد أن فشل فى تحجيم النفوذ الإيرانى فى بيروت، حتى أن تقارير عديدة تحدثت عن أن العلاقات بين السعودية وسعد الحريرى لم تعد إلى سابق عهدها، بدليل الحكم القضائى السعودى الأخير الذى صدر منذ شهر للمرة الأولى ضد سعد بسبب تعثر شركاته هناك ماليا.
ويعتبر المراقبون أن هذا التوتر بين زعيم تيار المستقبل والسعودية يعنى أن الأفق الخليجى ليس مسدود أمام بهاء، حيث أن هناك تصريحات عن اجتماعات إقليمية للشقيق الأكبر أبلغ فيها عن رغبة فى إعادة المياه لمجاريها، لو تصدى للعمل السياسى.
وإذا صدقت التكهنات حول وصول بهاء إلى بيروت قريبا ودخول معترك السياسة فى مواجهة شقيقه، فستكون هذه الطعنة الأقوى التى سيتلقاها سعد الحريرى من داخل بيته بعد أن ظل يركز كل جهوده لصد هجمات المنافسين، أما أى من الشقيقين سينجح فهذا ستحكمه الرغبة الشعبية، إما فى دعم الوضع الحالى ومحاولة إصلاحه أو الدفع بـ"حريرى جديد".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة