السياسة مختلطة فى معظم الأحيان بالكذب، وإخفاء جانب فى الحقيقة وتبديل جانب آخر، وهذا الكذب عادة ما ينتهى بتدمير العالم، ويصنع الحروب ويشرد الشعوب، ولنا فى أمريكا النموذج الكامل على ذلك، حسبما وثقت الكثير من الكتب.
"أصر كبار المسئولين فى حكومة الرئيس بوش، والذين دفعوا الولايات المتحدة دفعا إلى غزو العراق قبل 19 مارس 2003، على أنهم متأكدون من امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل، وادعوا أن مزاعمهم تلك تستند إلى أدلة قاطعة دامغة، كما ظل مؤيدو الحرب من خارج الحكومة يرددون تلك المزاعم مرارا وتكرارا، حتى تمكنوا من تشكيل جوقة من الأصوات المتشددة، التى أقنعت الشعب الأمريكى بضرورة نزع سلاح صدام والإطاحة به" من هذا المثال وغيره انطلق كتاب "لماذا يكذب القادة.. حقيقة الكذب فى السياسة الدولية" تأليف جون جى ميرشيمر والصادرة ترجمته عن عالم المعرفة وقامت بها الدكتور غانم النجار.
الكتاب الذى يرى مترجمه، أنه ظل زمنا طويلا منشغلا فى محاولة تفسير الحدث السياسى، طارحا السؤال التالى: هل الأحداث التاريخية الكبرى ليست إلا نتيجة طبيعية لتغير ونضج ظروف مجتمعية واقتصادية وسياسية؟ أم هل هناك دور فاعل وحقيقى ومؤثر للأفراد فى خلق تلك الأحداث؟، يذهب إلى أن "حكومة الرئيس بوش أطلقت أربع أكاذيب رئيسية خلال تجهيزها للحرب على العراق، هى: لقد زعمت شخصيات بارزة فى حكومة الرئيس بوش، كذبا، أنها متيقنة تمام اليقين، وبما لا يدع مجالا للشك، من أن صدام يمتلك أسلحة دمار شامل. وكذلك كذبوافى القول بأن صدام حسين كان حليفا وشريكا لأسامة بن لادن. كما صرحوا عدة مرات بما يوحى بأن صدام متورط فى تفجيرات 11 سبتمبر 2001 فى الولايات المتحدة، وأنه يتحمل قدرا من المسئولية. وأخيرا زعم عدة أشخاص من الحكومة الأمريكية، ومن ضمنهم الرئيس بوش نفسه، أن خيار الحل السلمىلا يزال مفتوحا مع صدام،فى حين أن قرار الحرب كان قد اتخذ مسبقا.
الموضوع الذى يناقشه الكتاب كبير ومهم حتى أن المقدمة تقول بأنه على المستوى الفردى وبين البشر، هناك على الأقل 31 نوعا من أنواع الكذب، يمارسه البشر فيما بينهم، ومع ذلك فإن عموم ثقافات البشر تتعامل مع الكذب على أساس أنه فعل ممجوج، مكروه، ويعكس انخفاضا فى القيم، أو هكذا يفترض.
ويحاول الكتاب رصد ظاهرة الكذب وتحليلها فى إطار العلاقات الدولية بأسلوب رشيق ورصين فى آن، فالكتاب فى حالته هذه موجه إلى عموم الناس وقابل للهضم والفهم والاستيعاب، بعيدا عن التعقيدات الأكاديمية.
المؤلف الذى صدر له من قبل كتابه المهم "اللوبى الاسرائيلى وسياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية"، ركز فى ضربه للأمثلة وتحليله للكذب على أمريكا وساستها وقيادتها، لكنه لم يغفل التجارب الأخرى، ورصد ظاهرة الكذب عبر التاريخ فى العديد من الدول العربية، ولم ينس كذب إسرائيل على العالم لتبرير احتلالها واغتصابها لفلسطين.
كتاب لماذا يكذب القادة رحلة فى ما هو مسكوت عنه فى العلاقات الدولية، وهى رحلة كاشفة لكثير من الأدوات التى أسهمت فى تحريك حوادث تاريخية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة