يظهر حب المؤرخ المصرى محمد عفيفى أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، لحيه الأثير شبرا، فى كتابه الأحدث "شبرا إسكندرية صغيرة فى القاهرة" الذى يوثق فيه حكايات ووقائع مهمة عن الحى، وتاريخه الوطنى، وتحولاته الكوزمبوليتانية، بعدما كان حى الأمراء والملوك، صار حى الأجانب، الوافدين من إيطاليا، واليونان، ثم تحوله فيما بعد إلى مقصد للريفيين القادمين إلى القاهرة، على أمل السكن والعمل، والانخراط فى مجتمع المدينة.
يحمل الكتاب مسحة حنين لزمن مضى، ينعكس ذلك من صفحاته التى خصصها المؤرخ البارز لاستعادة أمجاد الحى الذى شهد مولده، حيث يرد على سؤال طرحه على نفسه فى مقدمة الكتاب: لماذا شبرا؟ فيقول: هل يحتاج السؤال إلى إجابة؟.. أنه شبرا هذا الحى العجيب الذى ولدت وعشت فيه، وعرفت فيه أول حب.
وقلما نجد كتب تستقبل قرائها بهذه السطور التى تحمل حساسية ومشاعر دافئة، على الرغم من أنها كتب ذات طابع توثيقى وتأريخي، ولعل صاحب الكتاب أراد أن ينتزع عن قارئه مشاعر التحفز لقراءة عمل ثقيل، بكتابة مقدمة مرهفة الأحاسيس، جعلت الكتاب يتسم من الصفحات الأولى بطابع الرحلة، رحلة إلى شبرا، وشوارعها، مبانيها المهمة، وتحولاتها، وكذلك صحافة مدارسها، وشخصياتها، ورموزها الكبار، الذين رسموا سطورا فى تاريخ مصر، بما أسهموا به، من إنجازات فكرية، وسياسية وأدبية، وفنية، هنا نشأت داليدا، وتعلمت فى إحدى مدارس شبرا، كما شهد حى شبرا عمل الصحفى المعروف أحمد حلمي، الذى يحمل اسمه موقفا معروفا للأتوبيسات بقلب القاهرة، حيث أقام أحمد حلمى بحى شبرا فى منزله رقم 12 شارع جميل باشا خلف المدرسة التوفيقية، بشبرا، ولعب أحمد حلمى دورا معروفا فى السياسة والصحافة، فأطلق مع مصطفى كامل حملة للنيل من الإنجليز عقب حادثة دنشواي، ودخل السجن فى قضية العيب فى الذات الخديوية لمدة عام، وأسس جريدة القطر المصرى شن من خلالها العديد من الحملات الصحفية ضد الاستعمار، ولكل ذلك استحق أحمد حلمى أن يطلق عليه بطل الحرية، ويحمل اسمه الشارع الجديد لشبرا الموازى للسكة الحديد.
يمرق محمد عفيفى بالطبع على أصل وفصل الحى، وكيف تأسس، وقصة جزيرة الفيل، ثم تاريخ الحى الضارب فى عمق التاريخ، والذى يصل إلى محمد على الكبير، الذى أسس فيه قصره الشهير بشبرا الخيمة، لتكون ذلك هى النشأة الحقيقية للحى.
ومن بين ما يزخر به الكتاب، مناطق مهمة فى التاريخ المصرى الحديث، لعب فيها حى شبرا دورا بوصفه الحى الذى جمع جاليات أجنبية كانت مع خلاف سياسى مع الاستعمار الإنجليزى، إذ اشتهرت شبرا بعيش العديد من الإيطاليين فيها، بحكم كونهم أكبر جالية إيطالية بعد اليونانيين، انتشروا فى ربوع مصر، فى النصف الأول من القرن العشرين، يشير محمد عفيفى إلى أن الجالية الإيطالية تميزت بإنشاء المدارس سواء لخدمة أبناء الجالية فى شبرا، أو حفاظا على اللغة الإيطالية، وكانت أهم المدارس الإيطالية تلك الكائنة فى وسط شارع شبرا بمواجهة جامع الخازندارة، بالقرب من تمركز الإيطاليين، ويستعين عفيفى بشهادة لأحمد حمروش، أحد الضباط الأحرار الذى كان يسكن أمام المدرسة، قال فيها، أن النزعة الفاشية انتشرت بين طلاب المدرسة الإيطالية فى سنوات الثلاثينيات، حيث كانوا يجتمعون، ويهتفون لموسليني، نكاية فى الاحتلال الإنجليزى.
كما يمرق المؤلف على قصة القمص سرجيوس الذى رشح نفسه عن دائرة شبرا عام 1949، وكان معروف بكونه خطيب ثورة 1919، ويتناول فى الكتاب رحلته إلى السودان، ونشاطه السياسى الذى أزعج السلطات البريطانية بها، مما دفعها لترحيله إلى مسقط رأسه جرجا، قبل أن يعود ليتصدر المشهد فى مشاركته ككاهن فى ثورة 1919.