محمد شومان

السلطة والهيمنة الناعمة على الناس

الأحد، 08 يناير 2017 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تطور تكنولوجيا الاتصال وانتشار وسائل التواصل الاجتماعى يشكل تحديا أمام هذه الهيمنة
يؤكد كثير من دراسات وبحوث السياسة والإعلام والاجتماع، أن زمن السيطرة أو الهيمنة بالقوة المباشرة أو الخشنة على الناس قد انتهى، وأصبحت أى قوة خشنة فى العالم مهما كان جبروتها وبطشها فى حاجة ماسة إلى ما يسمى بالهيمنة الناعمة على الناس، لم يعد تهديد الناس بالسجن أو الفصل من العمل كافيا لتحقيق سيطرة سلطة ما على الناس وعلى المجتمع، بل لابد من استخدام القوة الناعمة، وأهم أدواتها هى الإعلام والتعليم والتخويف والأيديولوجيات، وأحيانا الدين.
 
وأتحدث اليوم فى عجالة عن الإعلام كأداة لتحقيق الهيمنة الناعمة، وقد ظهرت هذه الرؤية مع ظهور الإذاعة فى عشرينيات القرن الماضى، ونشأت نظريات التأثير الكبير للإعلام، الذى لا يمكن أن يقاومه الناس، وتفترض هذه النظريات أن التأثير هو التحكم فى الآخرين، وبالتالى عندما تنجح فى ذلك.. تتحكم فى مواقفهم الجماعية، فمن خلال الأخبار والتحليل واستخدامات اللغة والصورة، يمكن للسلطة أن تخلق عالما مزيفا تقنع به الناس، وذلك من خلال التكرار واستغلال مشاعر الخوف والأمل والبحث عن الأمن والاستقرار، علاوة على استبعاد أى أصوات ناقدة أو معارضة من الفضاء الإعلامى، هذا الأسلوب هو ما يُعرف بالصوت الواحد فى الإعلام، أو الخطاب الأوحد، وهو الطبعة القديمة والساذجة للهيمنة الإعلامية، أو بالأحرى الهيمنة الدعائية على الناس.
 
وهناك أسلوب آخر أكثر ذكاءً «الطبعة الأحدث للهيمنة الناعمة» توصلت إليه واستخدمته غالبية الدول المتقدمة، ويقوم على أهمية دور التنوع والتعدد الإعلامى داخل نظام من الهيمنة الناعمة، ومن المفيد الرجوع هنا إلى مفهوم غرامشى عن الهمينة hegemony باعتباره نظرية للقوة والسيطرة تقول بتحقق القوة من خلال تحقيق الموافقة عليها بدلاً من الإكراه عليها. كما تؤكد هذه النظرية على النواحى الثقافية للسيطرة، التى تتوقف على ترابط معين فيما بين الممارسات المتعددة.
 
خلاصة القول، إن الهيمنة الناعمة تعنى ضمنيا أن ممارسة القوة فى المجتمعات الحديثة لم تعد تعتمد على الإكراه بالدرجة الأولى، بل على الإقناع، أى أصبحت عملية أيديولوجية، تقوم على ما يطلق عليه أحيانا القوة الناعمة أو الإكراه الطوعى، وفى ظل تلك الظروف، سوف تتصرف جماهير القراء أو المستمعين بمحض إرادتها «الحرة» وفقا لمصالح أصحاب القوة فى المجتمع، سواء كانوا من رجال الأعمال أو السياسيين أو العسكريين، أو تحالف يضمهم جميعا.
 
لكن تطور تكنولوجيا الاتصال والإنترنت وانتشار وسائل التواصل الاجتماعى يشكل تحديات هائلة، قد تغير أو تكتب نهاية الهيمنة الناعمة للإعلام، فالناس لم تعد مستسلمة لما يردده الإعلام، سواء كان إعلام الصوت الواحد أو إعلاما تعدديا، وتراجعت مستويات الثقة والمصداقية فى كثير مما يقدمه الإعلام، سواء فى أوروبا أو أمريكا، وطبعا فى دول الجنوب، وتتجه فئات واسعة من الجماهير للاعتماد على ما تقدمه وسائل التواصل الاجتماعى أو وسائل الإعلام الدولية والمواقع الإخبارية، وأصبح مفهوم المواطن الشبكى، أى الفرد الذى يتواصل مع شبكات محلية ودولية عبر الإنترنت، مفهوما رئيسيا فى إدراك وتحليل ما سيطرأ على الهيمنة الناعمة للإعلام، وهل ستنتهى تماما أم ستتغير من حيث الشكل والمضامين، خاصة أن النخب المتحكمة فى الدول والاقتصاد لن تفرط فى أسلحة الهيمنة الناعمة، فهى تملك الأموال وسلطة التشريع، ما يمكنها من الدخول إلى عالم الشبكة، وشراء مواقع الأخبار على الإنترنت، والتلاعب أيضا بوسائل التواصل الاجتماعى، وتوظيفها لتحقيق مصالحها.
 
وهنا من الضرورى تحليل أنماط ملكية أهم وسائل التواصل الاجتماعى كـ«فيس بوك» أو «تويتر»، وأهم مواقع الأخبار على الإنترنت ومحركات البحث، وكيف أنها أصبحت كيانات رأسمالية عملاقة، لها مصالح غير معلنة، لكنها ستقف فى النهاية إلى جانب القوى المسيطرة ماليا وسياسيا.

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة