كانت العلاقات المصرية الأمريكية خلال فترة ما بين الحربين الأولى والثانية إلى حد كبير علاقات تتسم بطبيعة شكلت إطار هذه العلاقة وهذه الطبيعة هى أن مصر دولة محتلة هذا من ناحبة، ومن ناحية أخرى غياب المصالح الأمريكية بشكل عام فى الشرق الأوسط، ومصر بشكل خاص، ولذلك فقد اتسمت العلاقات بين مصر والولايات المتحدة بطابع النشاط ولم تتسم بطابع ما يمكن أن نطلق عليه علاقات والفرق بين نشاط وعلاقة دولة ما بدولة آخرى هو أن النشاط يعد المرحلة الأولى لقيام علاقة ما بين بلدين وتتسم أنشطة دولة ما فى دولة أخرى بتشجيع أو عدم تشجيع الدولة لهذا النشاط، ولذلك فعندما درست مثلاً العلاقات الثقافية بين مصر والولايات المتحدة أطلقت على المباحث الخاصة بها أنشطة، مثل النشاط التعليمى والخيرى... إلخ.
ويستدعى الوصول إلى نتائج علمية سليمة كما تقول «دائرة المعرفة» التاريخية، جمع تراكمات النتائج الفردية لكل مبحث على حدة ثم جمع تلك التراكمات لكل فصل على حدة فى نتائج كلية وهى النتائج التى توصلت إليها الدراسة فى النهاية، بالنسبة للعلاقات السياسية بين مصر والولايات المتحدة فقد تبين من دراسة الموقف الأمريكى من عرض قضية مصر على مؤتمر فرساى أن الولايات المتحدة لم تكن تعطى لمصر كبير اهتمام واعتبرت الخارجية الأمريكية أن مصر بالنسبة لها مكان ثانوى، أو كجزيرة فى المحيط المتجمد الشمالى.
أما بالنسبة للمعاهدات الثنائية بين مصر والولايات المتحدة فيلاحظ أن الولايات المتحدة كانت سابقة لعقد مثل تلك المعاهدات مع الحكومة المصرية فقد عرضت أربع معاهدات- خلال فترة البحث- بين مصر والولايات المتحدة عقدت الحكومة المصرية اثنين منهما فقط هما معاهدة نبذ الحرب ومعاهدتا التوفيق والتحكيم، ويلاحظ كذلك أن بريطانيا كانت تضع أنفها المزكوم دائماً فى هذه المعاهدات بقصد تقييد وضع مصر على أساس اعتبارها منطقة نفوذ خاصة بها، ولكن كان لعقد هذه المعاهدات نتيجة أساسية هى.. أولاً: جعلت مصر إلى حد كبير تتنصل من إشراف بريطانيا على سياستها الخارجية. ثانياً: وضعت مصر فى مصاف الدول المستقلة الكبرى التى عقدت مثل تلك المعاهدات مع الحكومة الأمريكية. ثالثاً: وهو الأهم، أن عقد مثل تلك المعاهدات وضح بجلاء أن مبدأ مونرو وسياسة العزلة وعدم التدخل والاشتراك فى شؤون العالم الخارجية من جانب حكومة الولايات المتحدة ما هو إلا وهم كبير صدقه الساسة الأمريكيون وإلا فما الداعى لعقد الولايات المتحدة لهذه الاتفاقات إذا كانت تحافظ بالفعل على سياسة العزلة ومبدأ مونرو.
أما بالنسبة للموقف الأمريكى من المحاكم المختلطة والامتيازات الأجنبية فقد اتسم الموقف الأمريكى بالتردد والارتباك وسياسة خطوة للأمام وخطوة للخلف، ولكن على الرغم من ذلك فقد كان جل اهتمام الولايات المتحدة فى علاقتها السياسية مع مصر يتركز بشكل رئيسى فى المحاكم المختلطة حيث حاولت الولايات المتحدة أن تتساوى بالرءوس الأخرى صاحبة الامتيازات فى مصر، مما سبب إزعاجاً كبيراً لبريطانيا فى مصر وسبب التراجع هو أن الولايات المتحدة لم تستطيع أن تنافس بريطانيا فى وجودها فى مصر، كما أن الوقت لم يكن قد حان بعد لظهور سياسة الإحلال والتجديد الأمريكية وهى سياسة اتبعتها الولايات المتحدة فى أن تحل محل الدول الاستعمارية القديمة فى منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية بعد أن شعرت تلك الدول الاستعمارية بدوار شديد رجعت على أثره إلى بلادها ولم تعد لمنطقة الشرق الأوسط ثانية. والسبب الآخر لتراجع الولايات المتحدة أنها لم تكن لديها مصالح فى مصر بشكل يمكن أن يجعلها تتشابك بالأيدى مع بريطانيا فى الوقت الذى كانت تقوم فيه بريطانيا بدور مهم للولايات المتحدة فى مصر وهو حماية وصيانة المصالح الأمريكية الضئيلة فى مصر.
ويمكن القول إن العلاقات السياسية بين مصر والولايات المتحدة كانت ضعيفة إلى حد كبير لوجود طرف ثالث فى هذه العلاقة وهو بريطانيا العظمى التى احتفظت بسمعة طيبة كقاطعة طريق لنمو وتطور هذه العلاقة كما اتسمت العلاقات السياسية بين مصر والولايات المتحدة خلال فترة ما بين الحربين بسياسة جس النبض ودراسة الموقف ومحاولة الولايات المتحدة لإزاحة أكتاف الدول الأخرى ذات النفوذ فى مصر حتى تمثل دوراً فى تلك المنطقة ولتكون أمريكا الرجل الأول First man فى تشكيل سياسة المنطقة (وهو ما حدث بعد ذلك).
أما بالنسبة للعلاقات الاقتصادية بين مصر والولايات المتحدة فقد اتسمت تلك العلاقة من جانب الولايات المتحدة بالامبالاة حيث إن الولايات المتحدة لم تحاول أن تزيد أنشطتها الاقتصادية بمصر وظلت خلال فترة ما بين الحربين تسعى دائماً فى الحصول على حق الدولة الأولى بالرعاية ولذلك نجدها تماطل فى عقد معاهدة تجارية مع مصر حتى عام 1930 حين عقدت معها تجارية مؤقتة لمدة عام وجاءت موافقة الولايات المتحدة لعقد هذه المعاهدة ليس عن نية ورغبة فى عقدها، ولكن عن اضطرار حيث إنها إن لم تعقد الولايات المتحدة هذه المعاهدة فكانت ستدفع ضريبة مضاعفة على بضائعها للحكومة المصرية ولذلك فإنها تصر فى تلك المعاهدة أن يكون حق الدولة الأكثر رعاية هو أول بنودها، ولذلك أيضاً نجدها تماطل فى عقد معاهدة تجارية دائمة مع الحكومة المصرية عندما طلبت الحكومة المصرية منها لذلك فى عام 1936، (1938-1939) ويؤكد هذا ضآلة المصالح الاقتصادية الأمريكية فى مصر وغدا إن شاء الله نواصل نشر علاقات أمريكا بمصر من الملكيه حتى الآن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة