خلال أحد اللقاءات التى يتجمع فيها عدد كبير من كبار رجال الأعمال فى مصر، والتى عقدت خلال الأيام القليلة الماضية، تحول اللقاء إلى حالة من النقاش المتبادل بين الحضور عن معوقات التنمية فى الدولة المصرية، ومدى مشاركة القطاع الخاص تحديداً فى خطط التنمية الوطنية.
اللقاء كان مقرراً أن يشارك فيه وزيران من أعضاء المجموعة الاقتصادية المعنيين بالتعامل بشكل مباشر مع المستثمرين، وحضر الوزيران بالفعل اللقاء، وفور حضورهما بدأ النقاش يزداد حماسا، وظهر أحد الوزراء مهتماً اهتماماً شديداً، ومتفاعلاً ومتجاوباً جداً مع المستثمرين، لدرجة أنهم اندهشوا من حرصه على التواصل معهم وسماع المشكلات منهم مباشرة .
حاول رجال الأعمال فى هذا اللقاء أن يستشهدوا باستمرار بعض المعوقات التى تواجههم، فى إطار تعاملاتهم اليومية مع الجهاز الإدارى للدولة، كما تطرق النقاش إلى طرح متكامل لقضية معوقات الاستثمار فى مصر بشكل عام، ولكن الوزير أصر على أن يكون مطلعاً على جميع تفاصيل المشكلات التى استشهدوا بها، وتابع الوزير مع مكتبه الفنى الحالات التى ذكرها رجال الأعمال، وفى المقابل اكتفى الوزير الآخر بمشاركته فى اللقاء بكلمة بروتوكولية جداً دون الدخول فى أى تفاصيل، ثم الاستئذان فى المغادرة سريعاً.
بعد مغادرة الوزيران بدأت حالة من تبادل الخبرات بين المشاركين عن كيفية التعامل مع نفسية وشخصية الموظف المصرى، وحاولوا محاكاة شخصية الموظف الحكومى وكيف يفكر وما هى هواجسه، ولماذا يتمسك ببعض القيود الروتينية التى من المؤكد أنها تعطل الاستثمار وتؤثر عليه سلباً.
انتهت هذه المحاكاة إلى نتيجة مهمة جداً، أن المسئول الحكومى مهدد دائماً بأن توجه له الاتهامات بالتسهيل والتفريط فى حق الدولة، ولكنه لا يحاسب على تفويت فرصة استثمارية على الدولة المصرية، فقد يكون تمسك المسئول بالروتين سبباً فى خروج مستثمر كبير من السوق المصرية، أو تراجع مستثمر عن استكمال نشاطه فى مصر، وثار التساؤل الأهم من يحاسب المسئول إذا أفقد الدولة استثمارات جديدة، سواء كانت تلك الاستثمارات كبيرة أو صغيرة.
ولاشك أن كبار موظفى الجهاز الإدارى للدولة على علم تام بأن الإجراءات الروتينية التى يتمسكون بها ظالمة وطاردة للمستثمرين، ولكنهم فى ذات الوقت أيضاً مضطرون للتمسك بها لخشيتهم أن يتم إحالتهم للمحاكمة والتشهير الذى سيصيبهم لحين إثبات براءته وحسن نيته، حتى وإن انتهى الأمر قبل صدور قرار الإحالة للمحاكمة بحفظ التحقيق وعدم توجيه اتهام، فمن سيعوض هذا الموظف حسن النية عن ما تعرض له هو وأسرته حتى إثبات براءته مما نسب إليه.
ولعل سياسة الأيدى المرتعشة التى يمر بها الجهاز الإدارى بأكمله منذ عام 2011 تحديداً تمثل العقبة الأساسية أمام كل التسهيلات والإجراءات التى تقوم الدولة بها لتذليل معوقات الاستثمار، وليس أبلغ من عدد القضايا والشكاوى التى تم تقديمها ضد عدد كبير من الوزراء كان كيديا وأن ما يقارب المائة بالمائة من الوزراء الذين تم توجيه الاتهامات إليهم قد حصلوا على البراءة من الاتهامات التى أسندت إليهم، إلا أن توجيه الاتهامات يظل يشكل هاجساً لدى عدد ليس بالقليل من المسئولين، ومن ثم فإن إعادة الثقة للمسئول تعد أحد أهم الحوافز الجاذبة للاستثمار، فمن يعيدها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة