الأمم المتحدة لاتزال حائرة وهى تتعامل مع ملف «الروهينجا»، فهى أمام وضع معقد سياسياً واجتماعياً وإنسانياً، تحاول أن يكون لها وجود لكن السلطات البورمية ترفض باستماتة، بداعى الحفاظ على أمنها واستقلالية قرارها.
خلال وجودى فى نيويورك الشهر الماضى لتغطية فعاليات الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة، سمعت من دبلوماسيين غربيين وأمميين عن مقترحات للحل، قيل بأن الأمم المتحدة طرحت اسم «مجدى مارتينيز سليمان، الأمين المساعد للأمم المتحدة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى» رئيسا للجنة تقصى حقائق، لكن ميانمار أو بورما، والاسمان مرادفان لدولة واحدة، رفضت مجرد الحديث عن لجنة بهذا الشكل، لأنها لا تريد الاعتراف بأنها تواجه أزمة كبرى تستدعى لجنة لتقصى الحقائق وعلى رأسها مسؤول رفيع المستوى مثل مارتينيز، فالسلطات البورمية تقول إنها تواجه جماعة إرهابية، ولا تريد الاعتراف بغير ذلك.
الروهينجا هى أكبر مجموعة محرومة من الجنسية فى العالم، فهم يعيشون كأجانب فى ميانمار، وتكشف الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة عن فرار قرابة النصف مليون مواطن من الروهينجا إلى بنجلادش منذ نهاية أغسطس الماضى، ويضافون إلى حوالى 300 ألف كانوا يقيمون هناك أساسا فى مخيمات لاجئين وسط ظروف غاية فى الصعوبة، بعدما فروا إثر موجات عنف سابقة، حيث رصدت تقارير إخبارية غالبية قرى ولاية راخين القريبة من الحدود مع بنجلادش وهى شبه مهجورة من السكان، بسبب هجمات الجيش البورمى وإحراق البوذيين المنازل، لأنهم يعتبرون الروهينجا جماعة إرهابية، وتعتبر الأمم المتحدة أن الجيش البورمى والميليشيات البوذية تقوم بحملة تطهير أثنى ضد هذه الأقلية المسلمة فى ولاية راخين التى تشهد اضطرابات متكررة.
الغريب فى الأمر أن هناك ما يشبه الصدمة اعتلت وجوه الكثيرين، والسبب هو «أون سان سو تشى»، مستشارة الدولة فى ميانمار، والتى تعادل رئيس الدولة، والحائزة لجائزة نوبل للسلام عام 1991 من أجل دعمها للنضال اللاعنفوى، فهى كانت فى الأساس مناضلة ومعارضة، لكنها اليوم متهمة بجرائم إبادة، كانوا فى البداية ينظرون لها باعتبارها ستارا لجرائم يرتكبها المجلس العسكرى فى ميانمار، لكنها بتصريحاتها الأخيرة ودفاعها عن قتل «الروهينجا» باتت متورطة، فهى قالت تعليقاً على أعمال القتل العنف التى يشهدها إقليم الراخين والتى أدت إلى مقتل ونزوح الآلاف من مسلمى الروهينجا أن «هناك تضليلا إعلاميا فيما يخص تلك الواقعة، فمن حقنا الحفاظ على أمن بلادنا ضد الإرهاب، كما يتوجب علينا حماية جيراننا من الإرهاب المحتمل».
بالعودة إلى الأحاديث الجارية فى أروقة الأمم المتحدة، فهناك بدأ يظهر اسم يو ثانت، الدبلوماسى البورمى الذى تولى فى الثالث من نوفمبر 1961، منصب الأمين العام للأمم المتحدة، خلفًا للأمين الراحل السويدى، داج همرشولد، الذى مات فى حادث تحطم طائرة فى سبتمبر 1961، لكن المقصود هذه المرة ليس يو ثانت نفسه، بل نجله الذى سبق وعمل مستشاراً لكوفى عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، الكل ينصح باللجوء لنجل يو ثانت، لأن بيده مفاتيح الحل فى ميانمار رغم إقامته شبه الدائمة فى نيويورك، لكنه على اتصال وتواصل دائم مع الحكومة والمعارضة فى ميانمار والأهم المجلس العسكرى، القابض على الأمور هناك، ويمكن النظر لنجل يو ثانت باعتباره وسيطاً، أو على الأقل الاستفادة من نصائحه لمن يريد التوسط.
أحاديث كثيرة تدور فى أروقة الأمم المتحدة، لكنها لم تصل لشىء مفيد حتى الآن، فالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جواتيريش، لا يزال يبحث عن الحل، فهو لا يريد الاكتفاء بعبارات التنديد والإدانة، لكن الحل ليس سهلاً، هو يدعو إلى معالجة الأسباب الجذرية للعنف، محملاً حكومة ميانمار مسؤولية توفير الأمن والمساعدة لمن هم بحاجة إليها، فضلاً عن فتح قنوات اتصال مستمرة مع السلطات فى بنجلاديش، المجاورة لميانمار، والتى استقبلت آلاف الفارين من مجازر الجيش البورمى، وطلب جواتيريش من بنجلاديش أن «تواصل السماح للفارين من العنف من أبناء الروهنجيا، وغالبيتهم من النساء والأطفال، وبعضهم مصابون، بالتماس الأمان فى بنجلاديش»، كما دعا إلى «إتاحة الفرصة أمام الوكالات الإنسانية للوصول بحرية ودون قيود للمجتمعات المتأثرة التى تحتاج إلى المساعدة والحماية».
بالتأكيد ليس أمام المجتمع الدولى سوى حل من اثنين، إما استمرار الدعاء للضحايا الذين يتساقطون يومياً، وإما اللجوء لأساليب الضغط على حكومة ميانمار، لأن الاستمرار فى دائرة الأحاديث الدبلوماسية لن تجدى شيئاً، بل ستزيد الوضع سوءاً.. الحل لن يكون أبداً بالإدانة وإنما بالعمل على الأرض، وأن نحول طلب مجلس الأمن فى جلسته الأخيرة لحكومة ميانمار باتخاذ «إجراءات فورية» لوقف «العنف المفرط» ضد الروهينجا، و«تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى ولاية راخين»، إلى إجراءات من خلال الضغط على الحكومة فى ميانمار لتستجيب لطلب المجتمع الدولى.
وسائل الضغط كثيرة، منها على سبيل المثال اقتصادية، فوفقاً لما سمعته من دبلوماسيين غربيين فالعديد من المؤسسات المالية الدولية قلقة مما يحدث فى ميانمار، ومنها بالطبع البنك الدولى لما لديه من مشروعات هناك تقدر بمليارين و400 مليون دولار تقريباً، لذلك فإن مسؤولى البنك يتابعون عن قرب أى انفراجة فى الأحداث، وربما يتدخلون فى الوقت المناسب للضغط عل حكومة ميانمار، ويمكن استخدام ورقة البنك الدولى، خاصة أن حكومة ميانمار فى وضع اقتصادى صعب، وبحاجة إلى مشروعات البنك الدولى.
الأزمة بحاجة أيضاً لضغوط سياسية، ويمكن هنا الاستفادة من التحول فى موقف كل من روسيا والصين فالدولتين كانتا فى صف ميانمار، لكنهما أمام حالة الرفض الدولى وقفا ضد المجازر التى ترتكب يومياً ضد الروهينجا.
فى النهاية أستطيع القول إن الوضع فى ميانمار سيأخذ وقتاً طويلاً إذا لم يتحرك المجتمع الدولى بشكل فاعل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة