المؤكد أنه لا يمكن لدولة أن تعيش وسط إقليم مضطرب، إلا إذا امتلكت أدوات القوة، التى تمكنها من حماية أمنها وحدودها ومجابهة كل المخاطر التى تحدق بها، وإذا طبقنا هذه القاعدة على مصر، سنجد أنها تعيش وسط إقليم لا ينعم بالاستقرار، فغالبية الدول المحيطة بنا تعانى من مشاكل أمنية، لها تأثير مباشر على الأمن القومى المصرى، ورأينا كيف تأثرت مصر على سبيل المثال من المشاكل التى تواجهها ليبيا، وكذلك سوريا خاصة فى تسلل الإرهابيين إلى أراضينا.
وزاد على ذلك الخطر الأكبر المتمثل فى الإرهاب، الذى بات المهدد الأكبر لكل دول العالم، وفى القلب منها مصر التى تخوض حربا شرسة ضد التنظيمات والجماعات الإرهابية والأفكار التكفيرية المدمرة، ورغم أنها لا تلقى الدعم الدولى المطلوب، لكنها قررت أن تأخذ زمام المبادرة دفاعا ليس فقط عن أمنها، وإنما أمن دول الإقليم بوجه عام، فمصر منذ البداية قالت إن عدوها الرئيسى هو الإرهاب، وهو الأمر الذى أعلنته فى جميع المحافل الدولية، وتقوم بمواجهته بكل قوة، وتسعى لتجفيف منابعه بكل حزم، ليس فقط على المستوى الأمنى، بل أيضا على المستوى الفكرى.
هذه المخاطر والتحديات ساهمت كثيراً فى تدمير دول، نرى أنقاضها الآن، لكن الوضع فى مصر مختلف، والسبب أن مصر تمتلك جيشا وطنيا وقويا وقادرا على تطوير نفسه، ومجابهة كل المخاطر والتحديات باحترافية شديدة، وهو ما ساعدنا على البقاء، رغم أن كثيرين راهنوا على سقوط مصر، خاصة بعد ثورة 30 يونيو، وما تبعها من إرهاب مارسته ولا تزال تمارسه جماعة الإخوان الإرهابية، الممولة من أجهزة مخابرات إقليمية وغربية كل هدفها هو تدمير مصر من الداخل، لكن باءت كل هذه المحاولات بالفشل، والفضل فى ذلك يعود لقدرة القوات المسلحة على المواجهة، والصمود أمام هذه التحديات، مدعومة بإرادة سياسية قوية ويد لم تهتز أبدا، بل قدمت كل يد العون لقواتنا المسلحة، فالرئيس عبدالفتاح السيسى، بإيمانه القوى بقدرة قواتنا المسلحة، ورؤيته لما يحيط بنا من تحديات، وثق فى جيشنا وقادتنا الوطنيين.
أمس الأول الخميس، وقف الجميع مشدوهاً أمام التقدم والتطوير الذى طرأ على قواتنا المسلحة، والذى لم يقتصر على سلاح معين، وإنما امتد لكل الأسلحة، وهو ما لمسناه جميعاً طيلة الأعوام الماضية، وتأكد لنا من خلال المواجهات القوية التى تخوضها قواتنا المسلحة فى مواجهة الإرهاب، فالقوات الجوية وهى تحتفل بعيدها الـ50، أبهرتنا بفعاليات المناورة البحرية «ذات الصوارى 2017»، التى تشارك فيها عشرات القطع البحرية من مختلف الطرازات، وعناصر من الوحدات الخاصة البحرية وطائرات اكتشاف ومكافحة الغواصات، وأيضاً انضمام الفرقاطة المصرية فرنسية الصنع «الفاتح» من طراز جوويند، والغواصة «42» من طراز 209/1400، بعد إتمام إجراءات الاستلام بميناءى لوريون الفرنسى وكايل بألمانيا فى رحلة عودة إلى مصر استغرقت عدة أيام، تخللها تنفيذ تدريب مشترك مع القوات البحرية الفرنسية بالمحيط الأطلنطى.
ما شاهدناه الخميس الماضى هو تأكيد على الاستراتيجية المصرية بتطوير قواتها المسلحة وتسليحها بأحدث ما تم الوصل له على مستوى العالم، وهو ما أوجد لقواتنا المسلحة مكانة رفيعة وسط جيوش العالم، فى ظل استمرار مصر فى إطار خطة تسليح قواتنا المسلحة، حيث شهدت ومازالت تشهد تطويرا حقيقيا يحمل جميع معطيات العصر الحديث، ومنها على سبيل المثال، ما تم فى قواتنا البحرية، التى تضمنت حاملة المروحيات أنور السادات طراز «ميسترال» وعدد 2 غواصة طراز 209، والفرقاطة «الفاتح»، ويضاف ذلك كله إلى ما تمت إضافته إلى قواتنا البحرية من وحدات قتالية من الطراز الأول، الأمر الذى كان من نتائجه تحقيق إضافة حقيقية للقدرات القتالية للقوات البحرية.
حدث كل ذلك وسيحدث الأكثر مستقبلاً دون أن تتحمل موازنة الدولة أية أعباء مالية، فميزانية قواتنا المسلحة فى الموازنة كما هى، ورغم يقين الدولة بضرورة وجود قوة ردع للسيطرة على حدود الدولة والدفاع عنها ضد أى دولة أخرى، فإنها سارت فى خطط التطوير بعيداً عن موازنة الدولة، ومن خلال التمويل الذاتى، أخذاً فى الاعتبار أن الهدف ليس فقط حماية الأمن والحدود، وإنما أيضاً تأمين المنشآت الجديدة، فالقطع البحرية المنضمة حديثاً لقواتنا المسلحة تهدف إلى تأمين «حقل ظهر» الذى سينتج من 10 إلى 12 مليار متر مكعب فى السنة، وهو ما يستوجب توفير الأسلحة والقطع العسكرية القادرة على تأمينه.
المؤكد أن مصر تسير وفق استراتيجية تعتمد فى الأساس على زيادة قدرات قواتها المسلحة، ليس للتباهى بها أمام الدول الأخرى، وإنما لتوفير أساليب الردع فى مواجهة الكثير من الأعداء، بعضهم ظاهر والكثير منهم خفى، مما يحتاج إلى قدرات خاصة لدى قواتنا المسلحة، وهو ما تمكنت منه مصر.