عبد الفتاح عبد المنعم

كيف انهارت شعبية أمريكا فى الشرق الأوسط بعد الغزو العسكرى للعراق؟

الإثنين، 23 أكتوبر 2017 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحت عنوان «الثقافة والقوة الناعمة.. حروب أفكار فى السياسة الخارجية»، وضع الباحث نزار الفراوى دراسة خطيرة نشرها «مركز برق للأبحاث والدراسات» أواصل قراءاتى للعلاقات المصرية الأمريكية فى جانبها التاريخى، وذلك استنادا إلى دائرة المعرفة الدولية خلال الألفية الثالثة.
 
يعتقد الكاتب جوزيف ناى أن «حرب الأسابيع الأربعة فى العراق عام 2003 كانت عرضا باهرا للقوة الصلبة التى أسقطت طاغية، ولكنها كانت باهظة التكاليف لقوتنا الناعمة، أى لقدرتنا على اجتذاب آخرين إلى جانبنا».
 
يذكر أن استطلاع الرأى لمعهد بيو أظهر حينئذ نزولا حادا فى شعبية أمريكا حتى فى بلدان مثل إسبانيا وإيطاليا، ناهيك عن العالم العربى الإسلامى من المغرب إلى تركيا إلى جنوب شرق آسيا، وهى بلدان تحتاجها واشنطن على المدى الطويل لوقف تدفق الإرهابيين والأموال الملوثة والأسلحة كما يقول ناى.
 
وينقل الكاتب عن دبلوماسى سابق فى باكستان: «إن غزو أميركا للعراق هدية كاملة للأحزاب الإسلامية». ومن جهتهم قال مسؤولو المخابرات إن القاعدة وغيرها من المجموعات الإرهابية كثفت كسبها للمجندين فى صفوفها على ثلاث قارات باستغلال الغضب المتصاعد على حملة أمريكا الحربية على العراق، وبعد الحرب أظهرت الاستطلاعات ازديادا فى شعبية ابن لادن وهبوطا فى شعبية أمريكا حتى فى بلدان صديقة لواشنطن مثل الأردن وأندونيسيا، بل حتى فى أوروبا تبدد فيض التعاطف مع أمريكا المثخنة بجروح التفجيرات فى نيويورك.
 
ارتفعت أصوات داخل مركز القرار ترى أنه ينبغى تجاهل هذا العداء الجماهيرى، مما يعكس رؤية محدودة الأفق ذلك لأن وجود قواعد اجتماعية عريضة تناهض أمريكا يعنى وجود حاضنة لنمو الحركات السياسية المناوئة أو الإرهابية العنيف، المهمة المطروحة إذن هى العمل على عزل هذه الحركات عن محيطها الاجتماعى، وقد وجدت هذه القناعة طريقها إلى قائمة المحاور الرئيسة للاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب 2005 التى شملت مواجهة الدعم الأيديولوجى للإرهاب، من خلال استراتيجيات تواصلية وإدماج البعد التواصلى فى مسلسل صنع السياسات. لقد حذر بعضهم: «نحن متأخرون عن رواد الدعايات المناهضة لنا فى قول روايتنا للعالم وحقائق أمريكا».
 
اقتنعت الاستراتيجية الأمريكية أن النصر فى ميدان الحرب ليس كافيا ولن يضمن أمن أمريكا ولن ينهى التهديدات الإرهابية التى تتربص بها، بل على العكس، حذرت العديد من الأصوات، ومنها شخصيات تنتمى إلى المدرسة الواقعية التى لا تهادن فى السياسة الخارجية، من أن الاستعراض العسكرى الأمريكى وإن حقق لأمريكا أهدافا فورية ميدانية مهمة، يخلق أجيالا جديدة من الناقمين على أمريكا فى مجال جغرافى واسع، ويغذى احتياطى الكراهية الموجه صوب سياسات واشنطن.
 
من هنا، انصبت جهود صناع الدبلوماسية العامة تجاه المنطقة على فتح مداخل جديدة لتحسين صورة أمريكا وترويج قيمها، من جهة، وتعزيز الضغوط «الناعمة»، من أجل إحداث تغييرات جذرية على المنظومة التعليمية والدينية والفكرية التى تخصب فى نظر واشنطن مشاعر الصدام والكراهية تجاه القوة العظمى.
 
تساءل بعض الباحثين الأمريكيين: «فى الوقت الذى كانت الوهابية تمول بملايين الدولارات البنيات التربوية عبر المدارس الدينية فى العالم الإسلامى، لماذا لا تجد الولايات المتحدة طرقا وقنوات لتشجيع الشرائح المعتدلة على النهوض بقطاع تربوى تعليمى حديث ومجدد؟». اعتبرت الباحثة هلينا فين أن عائلات فقيرة فى بلدان مسلمة ترسل أبناءها إلى المدارس الدينية ليس فقط بقناعة بالتعليم الدينى، بل لأن هذه المدارس توفر لهم المبيت والطعام وأن آباء عديدين يتمنون لو يتعلم أبناؤهم الرياضيات والعلوم والآداب وعلوم الكمبيوتر بدل العلوم الدينية، لكنهم لا يملكون الخيار.
 
وأضافت أن بإمكان الولايات المتحدة مزاحمة الأيديولوجيات المتشددة فى هذا المجال ودفعها إلى الهامش، وفى سياق صعود موجة مناهضة أمريكا فى العالم، خصوصا فى الشرق الأوسط، فإن أمريكا مدعوة إلى إرساء الجسور مع الغالبية الصامتة فى العالم المسلم كى لا يظل الطريق سالكاً أمام جماعات الإسلام المتشدد.
 
اقترحت الباحثة أنه إن أرادت أمريكا تخصيب صورة جيدة عنها خارج الحدود فعليها العمل على خمس واجهات: تشجيع إصلاح البرامج التعليمية الأجنبية، توسيع برامج التبادل، تسهيل الولوج إلى المؤسسات والقيم الأمريكية، تشجيع التفاهم العابر للثقافات وإنعاش حركات التطوع الأمريكى.
 
أما الإصلاحات التعليمية التى توجد فى صلب الاهتمام فإنها مدعوة إلى التوجه نحو تشجيع الحس النقدى والفكر الحر ومساءلة التراث وإرساء أنظمة تربوية متنورة فى البلدان المهددة بالتطرف وتدريب الأساتذة ودعم الترجمة… إلخ. كما يتعلق الأمر بانفتاح أكبر على فئات الأكاديميين والطلاب والصحفيين والمثقفين فى إطار برامج تبادل وبعثات. والمساهمة فى البرامج الإنسانية والتطوعية لإعادة البناء والتنمية.
 
بدا أن نطاق الاتفاق يتسع حول قناعة أن الدبلوماسية الأمريكية تواجه معضلة، «نحن ننخرط فى حرب أفكار، ولا غنى عن ذلك فى إطار محاصرة المد الإسلامى الراديكالى، لأن ملعب الانتصار ليس على الساحة بل فى العقول».
 
بعض الباحثين الأمريكيين أقر بأن ثقافة مناهضة أمريكا لها دوافع موضوعية فى سلوك أمريكا وبعض سياساتها، أما البعض الآخر فظل حبيس الاعتقاد أن المسألة تواصلية فقط، يتم خلالها حجب الحقائق وإغراق الشرائح الواسعة بالدعايات المناهضة، بالنسبة لهذا الاتجاه «خصوم أمريكا لا يريدون لشعوبهم أن يسمعوا عن القيم الأمريكية للديمقراطية والمساواة والتسامح، إنهم يعتبرون هذه القيم أكثر خطورة من الأسلحة التى نستخدم، لقد أسهمت فى الإطاحة بالنازية وبالسوفييت فى الحرب الباردة، وهم يعرفون خطورتها».. يتبع.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة