فى قصر الإليزيه تعقد اليوم القمة المصرية الفرنسية الأولى منذ فوز الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، التى تأتى وسط متغيرات ومنعطفات إقليمية ودولية، تحتاج إلى أن يجلس زعيما البلدين ليتناقشا حول العديد من القضايا الثنائية والإقليمية، التى تشغل بال البلدان، وبحاجة إلى رؤى مشتركة حيالها.
بطبيعة الحال، فإن قضية الإرهاب تأتى على رأس مباحثات الإليزيه اليوم، ففرنسا من أكثر الدول الأوروبية معاناة من الإرهاب، من خلال هجمات راح ضحيتها عشرات الفرنسيين، كما أن مصر تتولى منذ ثورة 30 يونيو 2013 مهمة مواجهة التيارات والأفكار المتطرفة، التى تمول وتدار من أجهزة مخابرات إقليمية ودولية أيضاً، لذلك فإن التشابه واضح بين البلدان، وهو ما يستدعى إيجاد آلية للتنسيق المشترك، آخذاً فى الاعتبار أن مصر وفرنسا يدركان جيداً أسباب الإرهاب ومن يموله، ولديهم دراية كافية بمن يقف خلف الهجمات الإرهابية التى شهدتها مصر وفرنسا، وأيضاً الأسباب، ولديهما فهم مشترك لكيفية المواجهة.
مواجهة الإرهاب رغم أهميتها، لكنها لن تكون المحور الوحيد للنقاش، فزيارة الرئيس السيسى لباريس ستكون عامرة باللقاءات، سواء مع السياسين أو الاقتصاديين، لبحث سبل تعزيز الاستثمارات فى مصر، وهو الهدف الأساسى الذى تتحرك بناء عليه مصر طيلة الفترة الماضية، وتعد فرنسا سادس أكبر مستثمر فى مصر، وفقاً لآخر إحصاء، حيث يقدر حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنحو 3.5 مليار يورو «4.1 مليار دولار»، ما يجعلها سابع أكبر مورد فى مصر، وزاد حجم التجارة الثنائية بين البلدين فى الأشهر الثمانية الأولى من 2017، حيث ارتفعت قيمة الصادرات الفرنسية بنسبة 9.2% «1.1 مليار يورو/1.3 مليار دولار» مقابل 21% فى الواردات «401.4 مليون دولار/478.8 مليون دولار»، كما توجد فى مصر أكثر من 160 شركة فرنسية توظف ما يقرب من 30 ألف شخص عبر مجموعة واسعة من القطاعات.
ومن يتابع مسار العلاقات المصرية الفرنسية، وتحديداً منذ تولى الرئيس السيسى المسؤولية، سيدرك أن البلدين لديهما الإرادة السياسية والعزيمة للارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى أعلى مستوى، تحقيقًا للمصالح المشتركة وتعزيزًا لمكانة مصر ودعمًا لجهودها فى الإصلاح الاقتصادى لوضعها على مسار التقدم، وهذه الإرادة السياسية متوفرة لدى مصر وفرنسا بدرجة متساوية، وأن هناك اهتمامًا حقيقيًا من الجانب الفرنسى للتنسيق مع القاهرة على أعلى مستوى لمواجهة التحديات والقضايا الإقليمية والدولية، انطلاقًا من رؤية مشتركة، وهو ما رأيته فى أكثر من مناسبة وسمعته من مسؤولين فرنسيين تحدثوا عن إيلاء العلاقة مع مصر أهمية خاصة، نظراً لما يربط القاهرة وباريس من تعاون مشترك وتواصل مستمر وتنسيق على المستويات السياسية العليا وتبادل الزيارات، بالإضافة إلى التواصل والتنسيق المستمر بشأن الأوضاع فى ليبيا وغيرها من القضايا الإقليمية، وكذلك فى جهود محاربة الإرهاب وتعزيز التعاون الذى يعود بالنفع على الشعبين المصرى والفرنسى.
ولا ننسى أن الفترة الماضية شهدت انطلاقة قوية فى التعاون العسكرى والشراكة الاستراتيجية بين مصر وفرنسا، انطلاقا من الثقة المتبادلة بين القيادتين المصرية والفرنسية، وتوافق وجهات النظر إزاء العديد من القضايا والأزمات الدولية، التى تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، ورأينا انضمام الفرقاطة الأولى من طراز «جويند» إلى أسطول البحرية المصرية العريقة، التى تعد بمثابة إضافة تكنولوجية هائلة تدعم إمكانات وقدرات البحرية المصرية لتحقيق الأمن البحرى وحماية الأمن القومى والمياه الإقليمية والاقتصادية وحرية الملاحة وتأمين قناة السويس كشريان مهم للتجارة العالمية، وبعدها الفرقاطة «الفاتح» التى تعد القطعة البحرية الرابعة التى تتسلمها مصر من فرنسا خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث شهدت انضمام الفرقاطة «تحيا مصر» فى 2015 إلى أسطول البحرية المصرية، وكذلك حاملتى المروحيات «جمال عبدالناصر» و «أنور السادات» من طراز «ميسترال» فى 2016، وصفقة الرافال، وكذلك كثافة ودورية المناورات والتدريبات المشتركة بين البلدين كالتدريب المشترك رمسيس 2016 والتدريب المشترك كليوباترا 2017.
فى المجمل يمكن القول إن هذه الزيارة سيكون لها انعكاسات مهمة على عدد كبير من الملفات الثنائية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، ومنها الوضع فى سوريا وليبيا، خاصة أن لفرنسا اهتماما بالوضع فى البلدين، وكان لها نشاط ملحوظ خاصة فى الملف الليبيى، بعدما استضافت قبل عدة أسابيع اجتماع ضم المشير خليفة حفتر، وفائز السراج، واتفقا على خارطة طريق تضع حلاً للنزاع الداخلى الليبى، الذى أعطى مساحة للإرهابيين لكى يتخذوا من الأراضى الليبية مرتعاً لتنفيذ عمليات إرهابية فى مصر وفرنسا، وكانت مصر من أوائل الدول التى أعلنت تأييدها ودعمها للخطوة الفرنسية، التى جاءت استكمالا للجهود المصرية فى هذا الملف، وهو ما يؤكد وجود تنسيق مشترك بين القاهرة وباريس، امتد إلى الملف السورى أيضاً، خاصة مع الاهتمام الفرنسى بهذا الملف، وهو الاهتمام الممتد منذ سنوات طويلة، ومرتبط بطبيعة خاصة تربط فرنسا ليس فقط بسوريا، وإنما ببعض الطوائف اللبنانية، التى تضررت بشكل مباشر من الأوضاع السورية.