حسناً فعل الرئيس الفرنسى أيمانويل ماكرون حينما أكد أنه ليس «وارداً إعطاء دروس» إلى رئيس مصر عبدالفتاح السيسى، حول مسألة حقوق الإنسان، وقوله «أنا مدرك للظروف الأمنية التى يتحرك فيها الرئيس السيسى، لديه تحدى استقرار بلاده ومكافحة تطرف دينى عنيف، ولا يمكن أن نتجاهل هذا.. أؤمن بسيادة الدول ولا أعطى دروسا للآخرين كما لا أحب أن يعطى أحد بلادى دروسا».
ما قاله ماكرون ليس بجديد، لأنها القاعدة التى يجب أن تحكم العلاقات الدولية، «كل دولة أدرى بأحوالها والظروف التى تعيشها»، لكن للأسف الشديد هناك دول تريد أن تعيش دور الوصاية على الآخرين، وتتعامل بمنطق الأب، فتوزع النصائح على من تريد، وتهاجم هذا وتنتقد ذلك، وكأنها هى الحاكم الفعلى للعالم. ورأينا أمثلة كثيرة لهذه الدول التى تزج بأنفها كثيراً فى الشؤون الداخلية للدول تحت دعاوى مختلفة، منها الحفاظ على حقوق الأقليات، أو مراقبة أوضاع حقوق الإنسان وغيرها من المبررات التى لا قيمة لها، إلا أنها وسيلة أو أداة لهذه الدولة أو تلك لتتدخل فى شؤون الدول الداخلية.
فعلوها سابقاً مع مصر ويحاولون تكرارها الآن، لكن الفارق بين الماضى والحاضر كبير، فالإدارة المصرية الحالية قالتها صراحة منذ البداية، أنها تقبل النقاش مع الأصدقاء فى إطار من الود والندية أيضاً، لكن إذا حاولت دولة أن تفرض رأيها أو تحاول التحكم فى القرار المصرى، فالرد وقتها سيكون قويا من جانب مصر.
وقد تابعنا جميعاً كيف تعاملت القاهرة مع العواصم الغربية التى اتخذت مواقف بعيدة عن توجهات وإرداة الشعب المصرى الذى انتفض ضد حكم الفاشية الإخوانية فى 30 يونيو 2013، فلولا هذه التعامل القوى من مصر مع هذه العواصم لكنا فى وضع ضعف، ولما حافظت مصر على استقلال قرارها وإرادتها.
ماكرون أعاد تثبيت القاعدة الدولية من جديد، هو لم ينشئها وإنما أعاد التأكيد عليها، على أمل أن يلتزم بها الآخرون، كى يتخلوا عن أدوار الوصاية التى يتوهمون أنهم يؤدونها، فمع إيمان رئيس فرنسا أن بلاده «تدافع عن حقوق الإنسان»، لكنه فى نفس الوقت يدرك حقيقة أن «من مصلحة الرئيس السيسى أن يسهر على الدفاع عن حقوق الإنسان، لكن فى إطار تقرره الدولة المصرية وحدها»، لأنها الوحيدة التى لديها القدرة على تحديد التحديات التى تواجهها وفى نفس الوقت حقوق المواطنين، والعمل على تلبيتها فى إطار متسق مع هذه التحديات، وهو ما أشار إليه ماكرون فى مؤتمره الصحفى مع الرئيس السيسى أمس الأول بقصر الإليزية، فالرئيس الفرنسى ربط بين احترام حقوق الإنسان والتحديات الأمنية التى تواجهها الدولة المصرية، لأن الاثنين يكملان بعضهما البعض، ولا انفصام بينهما، وهو ما يؤكد الفهم الفرنسى الصحيح لحقيقة ما يجرى فى مصر، دون الاستناد إلى تقارير حقوقية كل ما تسعى له هو التأجيج فقط، والادعاء كذباً أن مصر تنتهك حقوق الإنسان.
الفهم أو الإدراك الحقيقى لمعنى حقوق الإنسان بالشكل الذى شرحه ماكرون، اكتمل بمداخلة الرئيس السيسى، الذى أكد أهمية الحذر من المعلومات الخاطئة التى يتم الترويج لها، خاصة أن هناك تنظيما مناوئا لمصر ينشر شائعات غير حقيقية عما يحدث فيها، وطالب من يريد معرفة الحقائق فى مصر بأن يقوم بزيارتها للتعرف على حقيقة ما يحدث من خلال التواصل المباشر مع الشعب المصرى.
كما طالب ألا تقتصر حقوق الإنسان على الحقوق السياسية وأن تمتد إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بحيث يتم توفير التعليم الجيد والعلاج وفرص العمل والإسكان المناسب للمواطنين، فضلاً عن حقوق الشهداء والمصابين وأسرهم، وكذلك حقوق حوالى 3 ملايين مصرى يعملون فى مجال السياحة تضرروا من الأعمال الإرهابية، مع التأكيد على حرصه «على إقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة».
ما قاله الرئيس السيسى من داخل الإليزية يمكن اعتباره إعادة تعريف لمفهوم حقوق الإنسان، بعدما اقتصر التعامل الدولى مع مفهومه السياسى فقط، مع إهمال الجوانب الأخرى الأكثر أهمية والأكثر ارتباطا فى الأساس بحقوق ومتطلبات المواطنين، مثل الحق فى المسكن والمأكل والمشرب والتعليم، وهى أمور إن غابت لا يمكن أن نتحدث عن سياسة أو غيرها، فالشخص الذى يفتقد أبسط حقوقه كمواطن لا يهمه السياسة أو غيرها، وهى الحقيقة التى تدركها جيداً مصر، وتتعامل معها باعتبارها أولوية جندت كل طاقات الدولية لتحقيقها، وهو ما وضح من خلال التركيز على مشروعات البنية الأساسية، والإسكان والتعليم، والمياه والصرف الصحى والكهرباء، وغيرها من المشروعات التى تهم المواطن بالدرجة الأولى، وفى نفس الوقت عدم إهمال حق المواطن فى الحرية والتعبير عن آرائه، لكن الأولوية لتوفير احتياجات المصرى الأساسية، لأنه بدونها لن يساوى أى شىء.