لطالما عملت إيران على أن يكون لها موطئ قدم فى القارة الإفريقية، تلك التى تعانى من مشاكل بنيوية حادة أبرزها هشاشة البنى التحتية؛ بسبب عقود من النهب الاستعمارى والفساد السياسى الذى عانت منه، وهو ما يجعلها مسرحا مفتوحا لعمليات التنافس الاستراتيجية، وفى القلب منها جمهورية أوغندا صاحبة التاريخ الطويل مع صراعات السلطة والثروة، وصاحبة الموقع المهم على حوض النيل.
سياسة ملء الفراغ
خرجت بريطانيا من الشرق الأوسط بعد عقود من الاستعمار والاحتلال، كما خرجت من القارة الإفريقية، ومن بعدها خرجت كل الدول الأوروبية، تاركة وراءها حالات مركبة ومتشابكة من الفراغ الأمنى والسياسى، شكلت فى مجملها فرصة لم تتكرر للقوى الإقليمية للعب دور وتوسيع نفوذها.
موقع أوغندا على خريطة القارة
وبينما كانت مصر، صاحبة الدور التاريخى الرائد إفريقيا، منشغلة فى مرحلة البناء بأعقاب ما بعد اتفاقية السلام والعقود التى تلتها، كان أن توجهت إيران إلى القارة الإفريقية، بدأ من عهد الرئيس هاشمى رفسنجانى (1989 ـ 1997) ومرورا بعهدى محمد خاتمى (1997 ـ 2005) ومحمود أحمدى نجاد (2005 ـ 2013) ووصولا إلى عهد الرئيس الحالى حسن روحانى (2013 ـ 2021).
وخلال تلك الفترات المتصلة لم تنقطع إيران عن القارة الإفريقية وركزت فى سياساتها الاستراتيجية الخارجية على التغول بالدول الفقيرة، خاصة تلك التى لا تدور فى الفلك الغربى، بل تعارض الغرب فى بعض الأحيان لأسباب اقتصادية أو أيديولوجية، وحتى تنخرط فى القارة على أسس علمية كان أن أنشأت وحدات نوعية للدراسات السياسية والاقتصادية المتخصصة فى الشئون الإفريقية ضمن مراكز دراساتها المنشأة خصيصا للمشاركة فى صناعة القرار للبلاد.
الرئيس حسن روحانى ذاته قبل أن يصعد إلى قمة السلطة فى "سعد أباد" كان رئيسا لمركز دراسات مركز تشخيص مصلحة النظام، أى إنه رئيس بدرجة باحث؛ ولذلك يدرك جيدا أهمية مواصلة توجه بلاده إلى القارة الإفريقية وتقديم المساعدات بمختلف الوسائل فى إطار قوتها الناعمة كمرحلة أولى ثم قوتها الصلبة فى مراحل أخرى.
مركز طبى إيرانى
هذه الأيام يزور وزير الخارجية الإيرانية، محمد جواد ظريف، أوغندا على رأس وفد سياسى واقتصادى رفيع المستوى، وشهدت الزيارة يوم الأربعاء نشاطا إيرانيا كبيرا حيث التقى ظريف بنظيره الأوغندى سام كوتسا وأعرب فى خلال اللقاء عن سعادته للتعاون الثنائى القائم بين البلدين، داعيا إلى تعزيز هذه العلاقات وتعميقها فى مختلف المجالات، وفقا لبيان بثته وزارة الخارجية الإيرانية من خلال موقعها الرسمى على الإنترنت بثلاث لغات.
المركز الطبي الإيرانى فى أوغندا
وفى وقت باكر من صباح الخميس افتتحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية المركز الطبى الإيرانى الأوغندى فى العاصمة كامبالا بحضور وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف ورئيس جمهورية أوغندا يورى موسوينى.
ونقلت وكالة فارس الإيرانية للأنباء، الذراع الإعلامية لمؤسسة الحرس الثورى، أن عملية التدشين أتت فى إطار آخر مهام جدول أعمال وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف فى زيارته للعاصمة الأوغندية كامبالا.
جانب من مراسم الافتتاح
وقالت الوكالة إن المركز الطبى الإيرانى الأوغندى يضم 50 سريرا، وبلغت تكلفته 4 ملايين دولار، وأنشأ بمساعدة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومنظمة أطباء بلا حدود وشرطة أوغندا، وتم تجهيزه عبر استثمارات من القطاع الخاص.
لقاء وزارى
إلى ذلك أعرب "وزير القوى الناعمة الإيرانى" محمد جواد ظريف خلال لقائه بوزير خارجية أوغندا سام كوتسا، عن ارتياحه للتعاون الثنائى داعيا إلى تعزيز العلاقات بين الطرفين على مختلف الصعد، مشيرا إلى الوفد الاقتصادى رفيع المستوى المرافق له، قائلا: "آمل أن يطبق التعاون الاقتصادى بين البلدين بأسرع ما يمكن".
لافتة المركز الطبى
من جهته أعرب وزير خارجية أوغندا عن ارتياحه لحضور وزير الخارجية الإيرانى والوفد المرافق له، قائلا: "تسعى أوغندا لتوفير الإمكانيات والأرضيات المناسبة لحضور أكثر للشركات الإيرانية فى أوغندا".
وزيرا خارجية إيران وأوغندا
وأضاف الوزير فى تصريحاته الصحفية أن الشركات الإيرانية بإمكانها أن تنشط فى مختلف المجالات وخاصة الإنتاج والمونتاج وتصدير الآليات الزراعية، والمنتجات الغذائية والحبوب والألبان والفواكه وكذلك المجالات الصناعية والمناجم والمواد المعدنية وبناء محطات توليد الكهرباء وتطوير التجارة.
دوافع استراتيجية
لدى إيران علاقات وطيدة بأوغندا لدرجة أن الرئيس الأوغندى يورى موسيفينى عندما استقبل السفير الإيرانى الحالى لاعتماد أوراقه الدبلوماسية فى 14 ديسمبر 2016م، قال إنه زار طهران 4 مرات، وحاول الربط بين نضاله ضد النظام الأوغندى السابق، برئاسة الديكتاتور عيدى أمين، ونجاح الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979.
مع العلم بأن المعارضة الأوغندية نجحت فى الإطاحة بعيدى أمين يوم 11 إبريل من العام 1979 أى بعد نجاح الثورة الإيرانية رسميا بنحو شهرين، ما يشير إلى أن الرئيس الأوغندى يريد القول إن الثورة الإيرانية ألهمت المعارضة الأوغندية فى ثورتها على "آخر ملوك أسكتلندا".
على كل حال تتكئ الاستراتيجية الإيرانية تجاه أوغندا على عدة دوافع يمكن إجمالها فى:
مسجد فى أوغندا
ـ استغلال الثروات الأوغندية الكبيرة، خاصة أن كمبالا غنية بالمناجم والمعادن التى لم يتم استخراجها بعدُ، فضلا عن توسيع نفوذها بالقارة الإفريقية وفتح أسواق جديدة للبضائع الإيرانية التى لا تجد لها مكانا فى محيطها العربى والإقليمى بسبب حالات القطيعة التجارية والسياسية.
ـ العمل على تحويل الأقلية المسلمة الأوغندية الكبيرة البالغة نحو 13% من إجمالى السكان والتى يقدر عددها بنحو 5 ملايين مسلم سنى إلى المذهب الشيعى، مستدفة من وراء ذلك ترسسخ تواجدها القائم على أساس دينى بالبلاد.