مع كل خلية إرهابية تسقط، تكشف عن حجم التمويل الضخم للإرهاب، والجهد الذى تبذله أجهزة الأمن فى مواجهة معلوماتية وأمنية، وآخر مثال لهذا التمويل كمية الأسلحة التى ظهرت فى أعقاب سقوط الإرهابيين فى طريق أسيوط الغربى، ومقتل 13 إرهابيًا تركوا ترسانة من الأسلحة والذخيرة والمتفجرات، من الواضح أنها احتاجت وقتًا وجهدًا لتخزينها، وترتيب إقامة الإرهابيين.
الأمر نفسه فى خلية طريق الواحات، التى واجهت القوات الأسبوع الماضى، ومن قبل تم الكشف عن خلايا فى مزارع بالبحيرة، وتم تدمير عربات تهريب السلاح من الغرب.. ومن نظرة واحدة على حجم السلاح فى العملية الأخيرة بأيدى الإرهابيين، تكشف أن هناك ملايين تنفق على كل خلية من تسليح وتدريب، وربما يكون الإرهابى هو أرخص ما فى هذه الخلايا، حيث يتم تجنيده بعمليات «غسيل مخ» منظمة، يقوم بها مدربون محترفون قبل تسليمه للتدريب العسكرى.
كل هذه العناصر تشير إلى أننا أمام خلايا عنقودية لها مفاصل اتصال، وكلها تؤيد الرأى القائل بأن هذه العمليات الإرهابية ليست محلية فقط، ولها امتدادات وخطوط خارجية وأدوات دعائية وإعلامية مباشرة، وغير مباشرة.. ويتوقع خلال الأيام المقبلة سقوط المزيد من الخلايا، مع استمرار عمليات الربط والتبادل المعلوماتى.
وتكشف العمليات الأخيرة عن وجود نقاط ميتة أمنيًا يستغلها الإرهابيون، لزرع الخلايا وإجراء التدريبات، يسبقها مسح جغرافى ومعلوماتى، ضمن حرب مدعومة بالملايين.. واضح أن هناك عناصر تساعد فى عمليات اختيار الأماكن المناسبة للتدريب وتخزين السلاح، وبالمقارنة مع الإرهاب فى التسعينيات من القرن الماضى يمكن التأكد من وجود اختلاف نوعى، وذلك ضمن «عولمة الإرهاب».
ولا يمكن إنكار حجم الجهد التى تبذله أجهزة المعلومات والأمن فى تفكيك خيوط وخطوط الاتصال والتقاطع بين التنظيمات الإرهابية، ولايمكن استبعاد وجود عدد من النقاط الميتة التى تم فيها زرع وتدريب إرهابيين فى بعض المحافظات والمناطق الصحراوية.
كل هذا يؤكد أهمية وجود شبكة معلومات موحدة بين الأجهزة المعنية بالمواجهة، حتى يمكن كشف خطوط الاتصال، والسير من الخارج للداخل، لأن التوقع والمعلومات هما العنصران الأكثر حسمًا فى المواجهة، وسد أى ثغرات يمكن أن تخدم الإرهابيين، ويمكن بناء توقعات للمناطق البعيدة عن الأعين التى تصلح كمعسكرات للإرهاب، مع الأخذ فى الاعتبار أن اتساع وتطور أدوات الاتصال والتواصل، يضاعف من تعقيد المواجهة، لكن تظل القدرة على فك ألغاز الاتصال هى الخطوة الأكثر حسمًا، مع الاعتراف بتراجع العمليات الإرهابية، كمًا وكيفًا، خلال الأشهر الأخيرة، وتنحصر أغلبها فى نطاقات حدودية أو صحراوية، لكنها تتنقل من العريش إلى الغرب، بما يشير لوجود تشابك واتصال بين مسارات الإرهاب فى الغرب والشرق، مع وجود ظهير إعلامى ودعائى جاهز، يتجاوز مواقع التواصل، إلى بعض القنوات الفضائية والمواقع التى لم تعد تخفى تأييدها للإرهاب، وهى قنوات تكشف بالفعل عن وجود العنصر الخارجى، ولا يمكن تجاهل الهزائم التى يتلقاها «داعش» فى العراق وسوريا، وخاصة ليبيا، وهو ما ينقل الحرب المعلوماتية إلى الخارج، بل ويؤكد اتصال الإرهاب بتطورات على الأرض، حيث لا يمكن فصل المحاولة الفاشلة لاغتيال اللواء توفيق أبونعيم، مدير عام قوى الأمن الداخلى فى غزة، عما يجرى هناك، حيث تتركز بعض التنظيمات التكفيرية والدواعش، وهم من يتضررون من المصالحة، وإعادة غزة لسيطرة حكومة واحدة.
كل هذا يكشف عن حجم التحديات، والجهد الذى تبذله أجهزة الأمن والمعلومات، والقوات المسلحة، للتعامل مع تنظيمات إرهابية ذات امتدادات خارجية، إقليمية ودولية، وتحقق الكثير من الضربات الاستباقية التى تفتح الباب للمزيد من المعلومات والخيوط فى «بَكرة» الإرهاب المعقدة.