أحمد إبراهيم الشريف

بعد 44 عاما على رحيله.. لماذا طه حسين؟

الأحد، 29 أكتوبر 2017 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مما يحفظه لنا التليفزيون من تراث، والحمد لله أنه لم يضع وسط كل ما ضاع من تراث عظيم، اللقاء التليفزيونى الشهير الذى جمع عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين وعددا من المثقفين الكبار، فى حديث يكشف الكثير من الوعى والرغبة الجامحة للفهم وكيفية محاورة الكبار، وغير ذلك الكثير الذى ندركه بأنفسنا كلما شاهدنا هذه الحلقة النادرة.
 
فى كل عام فى ذكرى رحيل طه حسين أطرح على نفسى سؤالا: هل انتظر طه حسين حتى تأكد من انتصار الجيش المصرى على الاحتلال الإسرائيلى ثم رحل فى 28 أكتوبر 1973؟ بالطبع هو سؤال ثقافى أكثر منه سؤال فيزيائى، فالأعمار بيد الله وكل شىء بقدر، لكن المتابع لتجربة طه حسين الفكرية يعرف أنه ما كان يقبل سوى بالنصر التام لا بالهزيمة ولا بأنصاف الحلول.
 
كما أن سؤالا آخر يطرح نفسه طوال الوقت: لماذا طه حسين؟ وكيف استطاع هو وعباس محمود العقاد أن يحفرا اسميهما بعمق فى قلب الثقافة المصرية والعربية والإسلامية؟ وأعتقد أن كلمة «الإسلامية» هنا مهمة جدا، وربما هى السبب الرئيس فى عمق المكانة التى احتلها العملاقان.. لماذا؟
 
فى رأيى لأن الاهتمام بالثقافة الإسلامية سواء بالتفسير كما فعل العقاد أو بالاشتباك كما فعل طه حسين هو ما يمنح المثقف بعدًا مجتمعيا ويجعله مثقفا حيويا يمنح اهتمامه بقضايا قومه بعض شغله وفكره، أما البعض الذين يكتفون بعرض أو تقديم الثقافات البعيدة أو الفلسفات الغربية فهم مثقفون كبار لكنهم ليسوا بالضرورة مفكرين كبارا، وقد كان طه حسين مفكرا كبيرا.
 
كان صدامه مع مؤسسة الأزهر مبكرًا جدا، أهم ما ميزه أنه صدام علمى، قائم على أسس منهجية، وقد سبق وكتبت من قبل عن كتاب «محاكمة طه حسين» للكبير خيرى شلبى، والذى أعادت طباعته جريدة القاهرة منذ نحو عام، وكان يعرض للمحاكمة التى تعرض لها طه حسين بعد كتابه الشهير «فى الشعر الجاهلى» والذى نشره سنة 1926، وقامت القيامة ضده، لدرجة وصلت بالبعض إلى المطالبة بإخراجه من زمرة المؤمنين وقطع رزقه وإبعاده من الجامعة، لكن النيابة أنصفته، حيث أكد محمد نور الذى كان يحقق مع طه حسين أن ما قدمه الكتاب عبارة عن بحث علمى نتفق معه أو نختلف عليه، لكنه اعتمد المنهج العلمى فى البحث، وهذا ما كان يميز طه حسين عن الآخرين، إنه يخوض فى القضايا الكبرى، متسلحا بالعلم فى معركته، فى تأييده ورفضه، حتى بعد ذلك عندما وقف مع الشيخ على عبدالرزاق فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم» حيث وصل الأمر لاتهام طه حسين بأنه مؤلف الكتاب وليس الشيخ على عبدالرازق، وطبعا هذا غير صحيح، فـطه حسين لم تكن تنقصه الشجاعة فلو كتب هذا البحث كان حتما سيعلن أنه المؤلف وسيكون مستعدا لتحمل تبعات ذلك بكل شجاعة.
 
أشياء كثيرة تتعلق بطه حسين، تؤكد أنه وأفكاره يستحقان الحياة فى عالمنا الحاضر والمستقبلى، لأنه أدرك جيدا أن استخدام المنهج العلمى فى التفكير هى النقطة الأساسية والضرورية اللازمة لبناء الحضارات وإرساء المعرفة فى المجتمعات.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة