رغم أن مصر قد بح صوتها من أن قطر الشيطان الأعظم الذى نذر نفسه لتخريب وتدمير وإسقاط الدول العربية والإسلامية المؤثرة فى المنطقة، إلا أن دولا وجهات خارجية كانت تخرج علينا مدافعة عن الدوحة، وكتائب داخلية تدافع وتمجد فى نظام الحمدين، وتصفه بالنظام المدافع عن ثورات الربيع العربى، وملجأ المظلومين، دون أن يسأل هؤلاء جميعا أنفسهم سؤالا، كيف يدافع نظام عن الحرية والديمقراطية، ويسخر أمواله، وجهوده السياسية والدبلوماسية والاستخباراتية، وآلته الإعلامية، فى دول بعينها، فى الوقت الذى يمارس فيه هذا النظام كل أنواع الديكتاتورية، على أراضيه؟ وهل فاقد الشىء يعطيه؟
ما كان يفعله نظام الحمدين، فى مصر وسوريا وليبيا والبحرين واليمن والعراق، ومحاولة توسيع مخططاته ليشمل المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية كمرحلة ثانية ومهمة، كانت بتنسيق ودعم كامل من إيران وتركيا. وأدركت الدول الخليج الثلاث السعودية والإمارات والبحرين، خطورة ما تصنعه قطر، وتهديدها المباشر لأمن وأمان دول الخليج، ورغم أن هذا الإدراك جاء متأخرا للغاية، لكن أن تصل متأخر أفضل كثيرا من ألا تصل، فقررت الدول الخليجية الثلاث، بجانب مصر إعلان المقاطعة السياسية والاقتصادية مع الدوحة، وطالبوها بتنفيذ 13 مطلبا، لتعود المياه إلى مجاريها. ورفضت الدوحة تنفيذ المطالب، وتكشفت حقائق مذهلة، أبرزها العلاقات والاتفاقيات الخفية الموقعة بين الدوحة وطهران، وأنقرة، وأن جزءا محوريا من مؤامرة قطر ضد جيرانها، كان لصالح إيران بالدرجة الأولى لتسليمها السعودية واليمن والبحرين، ومؤامراتها ضد مصر وسوريا كان لصالح تركيا وإسرائيل، أما تدخلها السافر والمنحط فى ليبيا فكان الهدف منه أطماع للاستحواذ على النفط والغاز الليبى، لتظل الدوحة متحكمة فى الغاز، فى العالم!!
ولم تمر أيام قليلة من قرار الدول الرباعية قطع العلاقات مع قطر، حتى فوجئنا بالاستعمار القديم يعود لمنطقة الخليج عبر بوابة الدوحة، متمثلا فى الفرس «إيران» والعثمانيين «تركيا»، وهنا تحولت الشكوك والمعلومات السرية التى كانت تدور خلف الكواليس إلى واقع ملموس، فى العلن، للدرجة التى يصف فيها وزير الدولة للشؤون الخارجية القطرية، سلطان المريخى، إيران بالدولة «الشريفة»، وذلك تحت قبة الجامعة العربية ووسط حضور وزراء خارجية ومندوبى الدول العربية!!
وانغمست الدوحة فى وضعها الداخلى، بعد التأثير السيئ للمقاطعة الرباعية، على كل المناحى فى قطر، ولأول مرة نجد تكاتفا مهما لتعرية الدور القطرى ودعمه للتنظيمات الإرهابية، لتخريب وإسقاط الدول، ولم تستطع آلية الدوحة الإعلامية، خاصة قناة الجزيرة الحقيرة فى تجميل صورتها، أو الحد من المخاطر والتحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية الداخلية، وظهور معارضة قوية لأول مرة، ويوما بعد يوم تقوى شوكتها، كلها عوامل دفعت قطر إلى الغياب قرابة 4 أشهر عن الساحة الخارجية، وهو ما كان له من تأثيرات إيجابية، شبيهة بمفعول السحر، فى الانتصارات التى تحققت فى سوريا، وتحرير معظم المدن المهمة من قبضة التنظيمات التى كانت تمولها الدوحة، كما ظهرت بوضوح فى استقرار ليبيا، واختفاء أيضا التنظيمات المتطرفة، وظهر فى تحرير الموصل من قبضة داعش، والأهم، ظهوره الجلى فى نجاح المساعى المصرية بتوحيد الفصائل الفلسطينية، وجلوسهم لأول مرة على مائدة الحوار، بنيات مخلصة لإنهاء القطيعة والتناحر الداخلى، تمهيدا لإقامة دولتهم الفلسطينية.
هذا النجاح المدوى فى سوريا وليبيا والموصل وفلسطين والهدوء فى مصر والإمارات والبحرين، دليلا قويا على أن قطر متورطة فى التناحر والانقسامات واثارة القلاقل والفوضى فى هذه الدول، وأن انغماسها بضعة أشهر فى شأنها الداخلى، كانت له النتائج المبهرة، الشبيهة بالسحرية، وإنقاذ دولا وشعوبا من الهلاك. ولم تكن هذه الانتصارات التى خلفها قرار مقاطعة الدول الرباعية للدوحة فحسب، وإنما أيضا انهيار الجماعات والتنظيمات الإرهابية التى كان يدعمها ويمولها تنظيم الحمدين، وما أدل على ذلك، حفلات اللطم والبكائيات التى تنظمها جماعة الإخوان الإرهابية، خلال الساعات الماضية، ومستمرة حتى الآن، سخطا وغضبا من جلوس الفرقاء الفلسطينيين على طاولة المباحثات تحت إشراف مصر، بمؤسساتها العريقة، وقيادتها الوطنية الشريفة.
نجاح مصر فى المصالحة بين الفصائل الفلسطينية أيضا أثارت غضب تركيا وإيران، وحزب الله، لما تمثله القضية الفلسطينية من استثمار سياسى وعسكرى، لصالح مخططاتهم وأهدافهم فقط، دون النظر للشعب الفلسطينى ومعاناته، ودون النظر لصرخات القدس وآنين مكبرات الصوت بالمساجد، وأجراس الكنائس مما يصنعه الإسرائيليون، وجدنا تركيا وقطر، يعلنان دعمهما الكامل لحركة حماس، ويعطيان ظهرهما للسلطة الفلسطينية فى رام الله، وفى ذات الوقت، تجد قادة هذه الدول تزور إسرائيل، وتتعاون معها اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، ويتوددن لقادتها أيما تودد مغلف بالذل والهوان، ثم يهاجمون القيادة المصرية التى لم تزر إسرائيل، ولم تناصر فصيل على حساب آخر!
مصر أثبتت أن سياستها واضحة، يحكمها ميثاق شرف والحرص الشديد على وحدة وتماسك الشعب الفلسطينى بكل مكوناته السياسية والفكرية، ووحدة أراضيه، وحقه فى إقامة دولته على كامل أراضيه المحتلة، وانتزاع الشرعية الدولية، من خلال الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية، وهناك فارق شاسع، بين الدولة، بمؤسساتها، وبين جماعات وحركات وفصائل، المجتمع الدولى لا يتعامل إلا مع الدول، وليس فصائل وحركات وجماعات وقبائل!!
مصر، وفى اتفاقية كامب ديفيد انتزعت الموافقة على إقامة الدولة الفلسطينية، على كامل أراضيها، ولكن وللأسف لعبت دول بعينها دورا سيئا لتمنع القيادات الفلسطينية من الجلوس على مقعد توقيع معاهدة السلام الشاملة، وظل المقعد الفلسطينى شاغرا بفندق مينا هاوس، وضاعت فرصة ثمينة، لإعادة الأرض إلى ما قبل نكسة 1967، وبعد 38 عاما من إهدار الفرصة الذهبية، تحاول مصر بقوة لانتهاز الفرصة الأخيرة لإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضى المتبقية قبل أن يلتهمها وحش الاستيطان، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال توافق وطنى، وإنهاء الانقسامات وحالة التشرذم الذى تستفيد منها فقط إسرائيل!!
مشروع المصالحة، الفلسطينية بإشراف مصر، انتصار تاريخى، وخطوة عملية وجوهرية نحو إقامة دولة فلسطينية، كما أنها انتصار سياسى مبهر لمصر، صداه وتأثيراته الإيجابية لا حصر لها، أبرزها أن مصر عادت بقوة لدورها الإقليمى المؤثر، وإنها تمتلك أوراق معادلة الاستقرار والامن فى المنطقة، وقدرتها على حماية الأمن القومى العربى، وأن انغماسها فى وضعها الداخلى طوال السنوات الماضية، كانت له توابع أشبه بالزلازل التى ضربت الوطن العربى وهددت بانقراضه من فوق الخريطة الجغرافية، نجاح مصر المدوى فى الملف الفلسطينى أسعد حميع المصريين، ما عدا جماعة الإخوان الإرهابية، وجبهة العواطلية بقيادة حمدين صباحى وممدوح حمزة والبرادعى وعبدالجليل مصطفى وخالد على وأطفال أنابيب الثورة!!