لدى الجميع هوس بالكشف عن فرعون موسى الذى تحدثت عنه جميع الكتب السماوية، وفى الحقيقة فإن هذا الهوس مشروع تماما، فمن الصعب أن يتربى شعب بأكمله وهو يسمع القصص الدينية دون أن يحاول أن يستكشف الحقيقة حول هذه القصص، خاصة إذا ما كانت هذه القصة تخص بلدك الذى نشأت فيه وتربيت وأنت تسمع كل يوم مئات القصص حوله، ولهذا فإن الفضول يعد أمرا طبيعيا تجاه هذه القضية، لكن الشىء الذى لا يمكن أن يكون طبيعيا أن نؤمن بالتكهنات التخيلات والأساطير ونحاول إلصاق لقب «فرعون موسى» على أى فرعون والسلام، فحتى الآن لا يوجد دليل علمى واحد يشير بأصابع الجزم على أن هذا الفرعون تحديدا هو فرعون موسى، ولا يوجد دليل تاريخى أو أثرى يثبت بما لا يترك للشك مجالا أن وقائع خروج اليهود من مصر حدثت فى هذا المكان دون غيره، وقد نشط الإسرائيليون نشاطا غير عادى حينما احتلوا سيناء بعد 1967 ليكشفوا عن أى دليل لخروج اليهود من مصر فى هذه البعقة أو تلك فلم يفلحوا ولم يثبتوا شيئا، لماذا: لأن اليهود عادة ليسوا أهل حضارة ولم يترك له التاريخ أثرا معتبرا يمكن الاستشهاد به على حضارة اليهود.
آلاف المقالات كتبت فى هذه القضية، آلاف الكتب أيضا تم تأليفها خصيصا للإجابة عن هذا السؤال، والحقيقة الوحيدة الباقية هى أن فرعون موسى مازال مجهولا، فمع كامل تقدسينا لكل ما جاء بالكتب المقدسة فإن النصوص المقدسة لم تقدم لنا خرائط محددة للأماكن التى شهدت أحداثا تاريخية مهمة، كما أنه لا يصح أن نعتمد عليها علميا كما لا يصح أن نعتد بها فى البحث الأثرى والتاريخى، لأن هذا ببساطة ينتقص من قدسيتها ولا يضيف إليها شيئا، فالعلم يتعامل مع النصوص التاريخية بالمنهج النقدى، فيحلل ويربط ويشكك ويفند، وأعتقد أن هذا الأمر أبعد ما يكون عن خيال من يتعسفون لإثبات الحقائق الدينية بالعلم، ولأن العلم لم يجب حتى الآن على هذا السؤال الشهير: من هو فرعون موسى؟ فقد حاول البعض الإجابة عن السؤال بالخيال الساذج والخيال المغرض، ولهذا يتمسك اليهود بسوء بإلصاق لقب فرعون موسى بأى فرعون قوى مثل رمسيس أو مرنبتاح، ليثبتوا أنهم شاركوا فى صنع حضارة كبيرة على أرض مصر، وهو الأمر الكاذب تماما، وحتى يقول العلم كلمته ستبقى حقيقة فرعون موسى غائبة تماما عن الجميع، وفى الحقيقة فإننى أجد أن هذا الغياب من أكثر الأشياء إيجابية تاريخيا ودينيا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة