مع افتتاح دور الانعقاد الثالث للفصل التشريعى الحالى للبرلمان المصرى، أحد أعرق البرلمانات فى العالم، تجدر الإشارة لعظمة وتاريخ الحياة النيابية فى مصر، فأصل اصطلاح برلمان يرجع لكلمة «parler» الفرنسية، التى تعنى الحوار، وكان أول برلمان قد تم تأسيسه فى مملكة ليون بإسبانيا عام 1118، أما مصر فقد عرفت النظام النيابى منذ ما يقرب من قرنين من الزمان، حيث يعد «المجلس العالى»، الذى تأسس فى عام 1824م فى عهد محمد على باشا بمثابة البداية الحقيقية لأول مجلس نيابى، حيث يتكون مـن 48 عضوا من نظار الدواوين والأعيان والشيوخ والعلماء.. وقد حددت اللائحة الأساسية للمجلس العالى اختصاصاته، حيث كان يناقش مقترحات السياسة الداخلية لمحمد على باشا.
ليأتى فى عهد الخديو إسماعيل فى عام 1866م أول مجلس نيابى منتخب فى مصر «مجلس شورى النواب»، حيث تكون هذا المجلس من 75 عضوًا، وكان الفصل التشريعى للمجلس ثلاث سنوات.
وبعد اندلاع الثورة العرابية.. وبالتحديد فى عام 1881م.. أجريت انتخابات البرلمان.. حيث أطلق عليه «مجلس النواب المصرى»، ووُسعت اختصاصاته بجانب سلطة التشريع، صار للبرلمان الحق فى استجواب الوزراء، وقد كانت مدة الفصل التشريعى له خمس سنوات ودور الانعقاد ثلاثة أشهر، ثم جاء الاحتلال البريطانى فانتكست الحياة النيابية، حيث تحولت المجالس النيابية لمجرد هيئات استشارية حتى قامت ثورة 1919م.
ففى عام 1922م تم إعلان استقلال مصر ليصدر دستور 1923 م الذى أخذ بنظام الحكم البرلمانى القائم على الفصل بين السلطات، فجعل الوزارة مسؤولة أمام البرلمان، الذى يملك حق طرح الثقة فيها، بينما جعل من حق الملك حل البرلمان، وقد تم العمل بنظام المجلسين «الشيوخ والنواب»، وفقًا لدستور عام 1923م وكانت مدة الفصل التشريعى للبرلمان.. خمس سنوات.
لتندلع ثورة 23 يوليو 1952م ويُعلن إنهاء العمل بدستور 23 ومع صدور دستور 1956م أُطلق على البرلمان مسمى «مجلس الأمة»، وقد بلغ أعضاء هذا المجلس 342 عضوًا، واستمر حتى إعلان الوحدة مع سوريا عام 1958م، وكان قد صدر دستور مؤقت للجمهورية العربية المتحدة عام 1960م، حيث نص على تشكيل مجلس الأمة من 600 عضو، 400 من مصر، و200 من سوريا، واستمر هذا المجلس حتى انفصلت سوريا عن مصر فى عام 1961م.
ليصدر دستور 1964م الذى نص على تخصيص نسبة %50 للعمال والفلاحين، فى تشكل مجلس الأمة المكون من 350 عضوا، حيث قسمت الجمهورية إلى 175 دائرة يمثل كل دائرة نائبان، واحد من الفئات، والآخر من العمال أو الفلاحين، حتى أتى دستور عام 1971م، حيث تم تغيير اسم مجلس الأمة إلى «مجلس الشعب»، وتكون أيضًا من 350 عضوًا، بالإضافة إلى عشرة أعضاء معينين، لتعود مصر لنظام المجلسين بإجراء استفتاء شعبى على تعديل الدستور عام 1980م تم بمقتضاه إنشاء «مجلس الشورى».
ومع قيام ثورة 25 يناير 2011م تم تعطيل العمل بدستور 1971 وتم حل مجلسى الشعب والشورى، ليعاد بعدها انتخاب مجلسى الشعب والشورى فى عام 2012م استنادًا للإعلان الدستورى الصادر فى مارس 2011 م، حيث تكون المجلس من 508 أعضاء، لتقضى المحكمة الدستورية العليا بقبول الطعون المقدمة ضد مجلس الشعب، وتصدر حكمًا بحل المجلس فى يونيو 2012م.
ومع اندلاع ثورة 30 يونيو 2013م وبعد إقرار الدستور المعدل فى 2014 م، وطبقًا لنصوصه تم إلغاء مجلس الشورى لتقتصر السلطة التشريعية على نظام المجلس الواحد، وقد أطلق عليه مسمى «مجلس النواب»، الذى تم انتخابه فى نهايات العام المنصرم، لنشهد أمس الجلسة الافتتاحية لدور الانعقاد الأول للفصل التشريعى الأول، لنحتفى باكتمال مؤسسات الدولة، ونفخر بتاريخنا النيابى المشرف، ونحن على مقربة من 200 سنة برلمان، بداية من «المجلس العالى» مرورا بـ«مجلس شورى النواب»، فـ«مجلس النواب المصرى»، ثم «مجلسى الشيوخ والنواب»، فـ«مجلس الأمة» ثم «مجلسى الشعب والشورى» وانتهاءً بـ«مجلس النواب».
مجلس النواب الحالى هو نتاج لثورة 30 يونيو ودستور 2014 الذى أعطى لفئة الشباب التمييز الإيجابى فى تشكيلة القوائم الانتخابية، وهو ما كان بمثابة منح فرصة وصول لنقطة بداية «كتلة شبابية برلمانية»، تعبر عن أوجاع وطموحات انتصارات وانكسارات جيل لا يمكن وصفه إلا بالاستثنائى، فمن انُتخب من الشباب فى مجلس النواب يشعر بمسؤولية مضاعفة وأولوية نحو شباب مصر قاطبة، حيث تدفعنا ثقة أقراننا لدراسة مشاكلهم بتمعن، والدفع بالتشريع والرقابة فى إيجاد الحلول المناسبة لمتطلباتهم واحتياجاتهم وأمنياتهم، التى أوكلت إلينا وأنابونا فى التعبير عنها فى ظل تحديات جمة، لم تشهدها بلدنا والمنطقة من قبل، لنستشعر بحجم المسؤولية التى تقع على عاتقنا والتى سيتوقف عليها نجاح تجربة واعدة أو قتلها فى مهدها.
لنرى أنفسنا أمام مشروع جيل إما أن ينجح فى صناعة واقع مختلف وغد أفضل أو ينضم لأجيال سابقة من المحبطين، فمصر لن تتقدم إلا بشبابها فقد يكون شباب البرلمان قد عجزوا حتى الآن فى تقديم دور تشريعى ورقابى ملموس فى معالجة قضايا الشباب، والسبب يرجع فى ذلك إلى أن الطريق مازال غير ممهد من الأجيال السابقة، فمازال الصراع بين الأجيال قائما، فعندما قرر بعض شباب مصر أن يدخلوا فى العملية السياسية كان من أجل أن يحولوا شعارات الثورة إلى مشروع سياسى يمكن أن يتحقق لصناعة مستقبل سياسى أفضل، فعلى الشباب عدم إضاعة الوقت والجهد فى مطالبة الأخرين بتحقيق أحلامهم وإنما عليهم المبادرة وإيجاد كل السبل والحلول الممكنة لأى تحديات، فالشباب هم أمل الوطن فى النفاذ للمستقبل.. والطريق ليس مفروشًا بالورود.. فالتجارب لا تمنح وإنما تنتزع.