تبدأ اليوم بمقر منظمة اليونسكو المعركة الشرسة لاختيار مدير عام جديد للمنظمة خلفا للبلغارية أيرينا باكوفا، حيث يخوض المنافسة سبعة مرشحين، يهمنا فيهم المرشحة المصرية الأفريقية مشيرة خطاب التى تدخل المنافسة وتعلم جيدا حجم التحديات التى تواجهها سواء فى العملية الانتخابية التى قد تستمر لعدة جوالات، أو بعد فوزها بالمنصب حال تختارها أعضاء المجلس التنفيذى البالغ عددهم 58 دولة.
اليوم ستكون الجولة الأولى للانتخابات ومن الصعب أن يحسمها أى مرشح لأن الفوز يحتاج إلى 30 صوتا من أصل 58، وهو رقم من الصعب تحقيقه فى الجولة الأولى أو الثانية التى ستعقد غدا الثلاثاء، وستتضح الأمور بشكل كبير غدا، فكواليس مثل هذه الانتخابات تشهد عادة فى مراحلها الأخيرة تفاهمات سياسية وتنسيق وانسحابات من دول لصالح دول أخرى، لذلك يطلق عليها انتخابات النفس الطويل، وعادة ما تتخذ الدول تتخذ قرارها فى اللحظات الآخيرة لرصد ما قد يتطور من أمور ومن مواءمات أو تفاهمات سياسية.
جميع المرشحين هنا فى باريس يراهنون على تغيرات اللحظات الأخيرة فى ضوء معطيات سابقة شدتها انتخابات اليونسكو مرتبطة بشكل أساسى بعملية التصويت السرى، التى سبق وقلت إنها تعطى مندوبى الدول الأعضاء فى المحلى التنفيذى هامشا للمناورة وربما أيضا الخروج عن الالتزام أو الإجماع القارى أو الإقليمى خلف مرشح أو مرشحة بعينها، فقد يتدخل مندوب لرغبة شخصية أو بسبب إغراءات تعرض لها إلى تغيير مسار صوت بلاده ويمنحه لمرشح خلاف المرشح الموصى عليه من دولته، وهو أمر متوقع حدوثه، وهو أيضا ما يتحسب له الوفد المصرى الموجود حاليا فى باريس برئاسة وزير الخارجية سامح شكرى الذى وصل فرنسا الأربعاء الماضى وقام خلال الأيام الماضية باتصالات مكثفة مع الدول فى سبيل حشد التصويت خلف مشيرة خطاب، وانضم له أمس الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى، ومعهم أعضاء حملة المرشحة المصرية خاصة السفير محمد العرابى وأيضاً رجال الخارجية المصرية السفير أحمد أبوزيد المتحدث باسم الوزارة والسفير عمر عارف بمكتب الوزير فضلا عن طاقم السفارة المصرية بباريس وعلى رأسهم السفير إيهاب بدوى سفير مصر ومندوبها الدائم لدى اليونسكو، فالفريق بأكمله يتحرك بسلاسة شديدة سواء من خلال الاتصالات أو اللقاءات التى تمت ولا تزال تتم داخل السفارة المصرية أو فى مبنى اليونسكو، ويحركهم جميعا هدف واحد وهو تكثيف العمل لإنجاح المرشحة المصرية الأفريقية والتعامل مع أى طارئ قد يحدث فى اللحظات الأخيرة.
الانتخابات كما قال سامح شكرى فى حواره مع «اليوم السابع» أمس قوية وشرسة، خاصة أن هناك من يناور بسلاح المال، وأقصد هنا تحديدا المرشح القطرى حمد الكوارى الذى يظن أن المال قادر على إيصاله عنوة إلى رأس المنظمة المعنية بالثقافة والعلوم والعلم، وهى شعارات تتناقض تماما مع ما يسعى له المرشح القطرى الذى لا يمتلك أى مقومات تجعله جدير حتى بالترشيح من الأساس، فكل اعتماده على شىء واحد وهو المال، على أمل أن يكرر سيناريو فضيحة فوزه بلاده بتنظيم كأس العالم 2022 بالرشاوى، وهى القضية التى أدت إلى كشف المستور داخل الفيفا وتطاحن برؤس كبيرة، وهو الدرس الذى يعيه جيدا أعضاء المكتب التنفيذى لليونسكو، واعتقد أن وزير الخارجية كان موفقا حينما أكد أن اليونسكو ليست منظمة للبيع ولن يتكرر بها ما حدث فى الفيفا، فهى رسالة قوية ليس فقط للمرشح القطرى، وإنما بكل الدول الأعضاء باليونسكو، رسالة تطالبه باليقظة فى منح أصواتهم وأن يكون المعيار الوحيد هو الكفاءة وليس شىء آخر، لأن مصر ودوّل أخرى كثيرة لا تريد لليونسكو أن تتلوث بالمال القطرى الحرام، الذى يعتقد أنه قادر على شراء أى شىء بالمال.
أمر آخر تسعى له مصر من خلال مرشحتها وهو التأكيد للعالم أن الهدف ليس اقتناص منصب هو فى الأساس حق للدول العربية التى لم يحصل أى من أبنائها عليه حتى الآن، وإنما ضرورة العمل على علاج الخلل الذى أصاب اليونسكو طيلة السنوات الماضية، وضرورة العمل على إيجاد سبل للخروج من حالة التسييس التى تعانى منها المنظمة، ليس فقط فى عملها وإنما حتى فى الانتخابات، وهو أمر يحتاج فعلا لمراجعة سريعة من جانب دول المنظمة، واعتقد أن مصر بثقلها وحضارتها وإرثها الثقافى قادرة من خلال مرشحتها أن تعيد الطابع الإنسانى والثقافى للمنظمة، وأمام الجميع تحارب مصرية ناجحة فى مجالات مختلفة، ربما أقربها عضوية مصر لمجلس الأمن، التى كانت بمثابة انطلاقة مهمة ومؤثرة لحفظ حقوق العديد من الدول النامية التى كانت مصر خير من تحدث باسم فى مجلس الأمن والعديد من الفعاليات الدولية، وهو ما يؤكد أن مصر لا تبحث عن الاستئثار بمنصب أو مقعد بقدر رغبتها أن تكون خط دفاع قوى عن الحقوق والحريات مع الحفاظ على الطابع الإنسانى والثقافى، وهى موروثات مصرية استدعتها ثورة 30 يونيو وجعلتها فى أولوياتها، وهو ما أعاد لمصر مكانتها القوية سواء على المستوى الدولى أو الإقليمى.
أنا هنا لا أتحدث بوصفى مصرى منحاز لابنة بلدى، وإنما كمتابع وراصد للأحداث، فالشعارات المصرية دائما ما تلامس أرض الواقع وتتحول إلى مادة قابلة للتطبيق، شهدنا ذلك مؤخرا على سبيل المثال فى نجاح القاهرة فى إنهاء حالة القطيعة بين الأشقاء الفلسطينيين، ومحاولات استعادة الدولة الليبية وأيضاً الاستقرار والأمن فى سوريا، وغيرها من المواقف التى لا تتحرك فيها مصر لمصلحة شخصية وإنما بهدف أن يعم السلام أرجاء المعمورة، وهو ما أكده أكثر من مرة الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أحدث نقلة كبيرة نحو إعلاء القيم الإنسانية.
أمر آخر مهم يجب أن نعيه جيدا وهو أننى حينما أتحدث وأقول إن المنافسة شرسة وقوية وربما تشهد مفاجآت غير متوقعة، أقول ذلك ليس لتبرير أى نتيجة قد لا تكون فى صالحنا، لكنى أتحدث عن الواقع الذى تحاول مصر جاهدة تغييره ومعها دول أخرى تدرك خطورة التحديات التى سبق وتحدثنا عنها، وخاصة إذا ما تحكم سلاح المال بجانب السياسة فى منظمة كبيرة مثل اليونسكو، فالانتخابات قابلة لأى شىء ومن حق كل مصرى أن يدرك ذلك جيدا منذ البداية، نعم نحن متفائلون ولدينا ثقة كبيرة فى فوز المرشحة المصرية وكل ذلك مبنى على وعود من دول صديقة وأخرى تبحث عن التغيير المطلوب، لكن لا ننسى أن هناك من يرتاب من أى تغيير ويعتبره لفظا له، لذلك يسعى بشتى الطرق لعرقلة أى محاولة للإصلاح، وهو ما يجب أن ندركة جيدا، وندرك أيضا أن المعركة ستظل مستمرة، حتى مع فوز مشيرة خطاب إن شاء الله، لأن الفوز هو الخطوة الأولى للإصلاح سيتبعه خطوات أخرى يكرها آخرون لكننا مصممون عليها.