فى دراسة خطيرة تم نشرها من خلال مركز المستقبل وهو مركز سياسى مهتم بالشؤون الدولية والعربية طرحت الدراسة سؤالا جوهريا هو ماذا ينتظر العالم من داعش بعد هزيمته؟ والحقيقة أننا من الممكن أن نطرح هذا السؤال بصيغ مختلفة ومنها ماذا ينتظر الأمريكان من بقايا داعش بعد هزيمتها فى سوريا والعراق؟ كما أن الدراسة طرحت عدة أسئلة ومنها هل طويت صفحة الحرب الدائمة لنشهد عالما جديدا بلا إرهاب؟ هل سنرى دولا مستقرة وموحدة ومغايرة للدول التى شهدت الصراعات الطائفية؟ هل تعتبر المعارك الحالية فصلا من فصول تتجدد فى انتظار الآتى الأعظم؟ هل نستطيع القول بعد أن تحررت الموصل وبنغازى انتهت داعش وخرافته؟
تحررت موصل العراق وبنغازى ليبيا وتقهقرت صورة الرعب الداعشى الذى صوره الإعلام بشكل لا يقهر التنظيم الذى ذاع صيت ممارساته الوحشية وأساليبه القمعية للحفاظ على المدن والبلدات التى كان قد غزاها منذ حزيران 2014، وأنشأ عليها خلافته المزعومة، أصبح اليوم بين مشرد فى البرارى أو مقتول بيد القوات المسلحة الحكومية، فقد وضع نفسه بين خيار الاستسلام أو الموت.
هكذا وصف الكاتب فواز جرجس مدينة الموصل التى أعلن أبو بكر البغدادى خلافته فيها بتاريخ 29 يونيو عام 2014 فى مسجد النورى الكبير الذى يقع فى الساحل الأيمن «الغربى» للموصل، وإزاء هذه الأهمية الكبيرة للموصل مقارنة بغيرها من المدن المحتلة، قد راهن البعض على أن داعش سيدافع عنها حتى آخر مقاتل، ولكن مع بدأ هجوم القوات العراقية المسندة من قبل قوات الحشد الشعبى، بدأت تتوالى التقارير العسكرية عن أن مقاتلى التنظيم سيحاولون مجدداً التوارى بين السكان بدل القتال دفاعاً عن المدينة، ويقول مركز «صوفان» إن هذه الاستراتيجية ستصير أصعب مع انكماش الرقعة الجغرافية لدولة الخلافة الذى سيقوض أيضاً خرافتها.
عسكريا، خسر داعش الإرهابى صفوفه وتشتت شمل أفراده وقياداته وأصبح الصمود بوجه القوات الحكومية أمرا مستحيلا بالنسبة إليهم، لكنه احتفظ بفرصة الازدهار فى الفوضى الجيو سياسية المتوقعة بعد تحرير الموصل وبنغازى، فمحاولة زج أنفسهم ضمن العوائل النازحة والمدنيين ما هو إلا ردة فعل سريعة يحاولون من خلالها التهرب من الموت أو الاستسلام.
ثقافيا، زرع التنظيم الإرهابى فى أدمغة الأجيال الجديدة فكرة التطرف والعنف والجهاد المسلح ضد كل من يختلف مع أفكاره المنحرفة، وإذا لم يتزامن مع التحرير العسكرى تحرير الأدمغة من الفكر المتطرف وتحويل الحاضنات المجتمعية كل إلى طاردة للفكر المتطرف، فإننا سنكون أمام مستقبل يحمل المفخخات والعبوات الناسفة فى أدمغة الكثير من الشباب الذين تأثروا بالفكر الإرهابى المتطرف، وسيحاول كل منهم أن يقلد البغدادى فى رقعته الجعرافية.
مجتمعيا، إن الانتصار الحقيقى لا يكتمل إلا بإعادة الحقوق إلى أبناء الشعب من خلال إعادة حقوق المقاتلين المرابطين فى ساحات المعركة وإنصاف وتعويض عوائل الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل تحرير الأرض من براثن داعش الإرهابية، كما يجب معالجة الأسباب التى هيئت وساعدت ومهدت لنشوء البيئة الحاضنة لداعش ومراجعة طريقة الأداء الحكومى وأمراض الفساد الإدارى والمالى خصوصا لدى بعض القادة العسكريين.
يقدم موقع «بيزنس إنسايدر» الأمريكى خمسة سيناريوهات محتملة لمستقبل تنظيم داعش الإرهابى بعد إنهاء وضعه العسكرى على الأرض.
السيناريو الأول: اختفاء وعودة.. ويستند هذا السيناريو على أن داعش فى إمكانه إعادة تشكيل التنظيم من جديد لبسط النفوذ والسيطرة على مناطق أخرى، ويشبه كثيرا مرحلة بداية التنظيم فى 2014 ويُرجِع المحللون العسكريون الأسباب المؤدية إلى هذا السيناريو، إلى احتمال تصاعد الحروب الأهلية نتيجة الطائفية التى أوجدها التنظيم، والنتائج المترتبة على هذه الحرب، وهذا الصراع خلال السنوات المقبلة ولكن فى مناطق مثل الفلبين أو غيرها.
السيناريو الثانى: امتداد التنظيم.. فعلى مدار السنوات الماضية كوّن داعش تجمعات له فى غرب أفريقيا وشمالها، وليبيا، واليمن، وأجزاء فى سيناء المصرية.
وفى ليبيا استقدم داعش مقاتلين من سوريا والعراق، بهدف توحيد واندماج المقاتلين تحت لواء الخلافة المزعومة. كما عمل التنظيم على ضمّ مقاتلين من تنظيمات إرهابية منفصلة لصفوفه مثل تنظيم «بوكو حرام»، بهدف إيجاد امتداد أكبر لفكر التنظيم الإرهابى فى مناطق مختلفة بالعالم، ويطلق المراقبون على هذه الخطة استراتيجية «بقعة الحبر»، لأن كل فرع سيتسع مثل بقعة الحبر على ورق نشاف. ويعد هذا السيناريو صعبا حدوثه على أرض الواقع فى مناطق مثل اليمن، وغرب أفريقيا، بينما يسهل حدوثه فى الجزائر وليبيا، ولكن يرى المحللون أن إصرار داعش على تكوين خلافته والاستحواذ على مناطق أكثر، والرغبة فى الانفراد فى قيادة المشروع الإرهابى، يجعل كل الاحتمالات قائمة لتنفيذ عملية التحالف والتعاون مع الأعداء والمنافسين للتنظيم.
السيناريو الثالث: استمرار المقاتلين فى سوريا والعراق.. يشبه هذا الاحتمال حال حركة طالبان فى أفغانستان بعد عام 2001، وحال تنظيم القاعدة بعد دخول القوات الأمريكية إلى العراق، واستمرار مقاتلى القاعدة فى العراق، ويعد هذا السيناريو هو الأقرب إلى الواقع عن الاحتمالين السابقين، لأن القتال هو الخطوة التالية لعملية تأسيس التنظيم، بينما تصبح عملية توسع داعش وتمدده، بعيدة كل البعد عن طبيعة التنظيمات الإرهابية المماثلة للتنظيم فى ظروف التشكيل والتأسيس.. يتبع.