كنت أتوقع أن تتحرك وزير التضامن الاجتماعى الدكتور غادة والى، لمواجهة تداعيات التصرف غير المقبول من رئيسة مكتب المعاشات، عندما تعاملت بقلة ذوق مع الكاتب والأديب الكبير العم وديع فلسطين، الرجل الذى تجاوز الخامسة والتسعين ومن أساتذة الصحافة من الأربعينيات، وهو على المعاش، وكانت هناك قاعدة بأن يذهب صاحب المعاش كل عام ليقول للمسؤولين إنه على قيد الحياة، وبالرغم من أن هذا القرار تم إلغاؤه من سنوات، أصرت رئيسة مكتب التأمينات على تطبيقه مع الأستاذ وديع، وبالرغم من أن الرجل استجاب، أصرت السيدة على أن يصعد للدور الثالث ليقدم لها نفسه، ثم تعاملت معه بطريقة خالية من الذوق والاحترام.
المهم أن الأستاذ لويس جريس كتب على صفحته بـ«فيس بوك»، وسارع زملاء عديدون بالكتابة، وسارعت الدكتور غادة والى وزير التضامن الاجتماعى بالاعتذار وإرسال بوكيه ورد للأديب وديع فلسطين، مع وفد من الوزارة إلى بيته اعتذارا عما ارتكبته موظفة التأمينات من سوء تصرف. ووصفت الوزيرة تصرف الموظفة بالوقح وغير المقبول، وأشارت على صفحتها على «فيس بوك» إلى أن الموظفة تمت إحالتها للتحقيق، بل إن الوزيرة كشفت أن هذا الإجراء كان يتم بطلب من جهاز المحاسبات، وتم إلغاؤه مع الربط الإلكترونى، مع مكاتب الصحة وهو يغنى عن تردّد كبار السن على المكاتب، أى أن الموظفة لجأت لوسيلة تم إلغاؤها.
القصة هنا لها أكثر من جانب، أولها يتعلق بتركيبة شخصية لبعض القيادات يصرون على البيروقراطية، ومثل هؤلاء يفسدون جهودا كثيرة تبذل لتغيير هذه العقليات التى فقدت صلاحيتها، ليس لأن المواطن معروف أو وجد من يثير قضيته، ولكن لأنه شيخ يستحق التكريم والتعامل باحترام، وهو ما يستدعى اعادة تعميم القرارات الخاصة بالتعامل مع اصحاب المعاشات ممن تجاوزوا القدرة على الذهاب لصرف المعاش، وهناك قرار بأن صاحب المعاش من حقه أن يسجل اسمه ويطلب توصيل معاشه له فى منزله.
وربما تكون قصة أستاذنا الكبير وديع فلسطين مع الموظفة البيروقراطية، مناسبة، لأن تعمم الوزيرة غادة والى تعليماتها فيما يتعلق بأصحاب المعاشات، حتى يمكن لمن لا يستطيعون الشكوى أن يحصلوا على حقهم. مع الأخذ فى الاعتبار أن إثارة قضية الأديب الكبير تمت من خلال مواقع التواصل أولا وهى ميزة مهمة، لأنها لفتت نظر الصحافة للقضية.
وبقدر ما نتمنى أن تكون هذه القصة نهاية للتعنت وإنهاء كل العراقيل أمام أصحاب المعاشات، نلفت النظر إلى أن مثل هذه المديرة الفاشلة تفسد أى جهود تبذلها الدولة لإنهاء البيروقراطية، وحسن معاملة الناس، ولا يفترض أن يتولى أمثال هؤلاء مناصب قيادية، وربما تكون هناك حاجة لتوقيع كشف نفسى على من يتولون المناصب، حتى لا يكون بينهم سادى يهوى تعذيب غيره، أو قيادة لا تعرف كيف يعامل كبار السن بما يليق.
وبقدر ما كان تصرف وزيرة التضامن غادة والى حضاريا ومحترما، بالاستجابة والاعتذار، بقدر ما يفسد الموظفون الصغار جهودا كبيرة. وهى ظاهرة، حيث يمكن للوزير أو المسؤول الكبير أن يتفهم ويتصرف بتحضر لكن «الثعالب الصغيرة التى تفسد الكروم»، لأن الوزير ربما لا يكون موجودا وراء كل موظف، والأفضل هو حسن الاختيار، واستبعاد ثعالب البيروقراطية.