كل لحظة تطل الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا، على جبهة الدعاية، فى وقت تبدو فيه الولايات المتحدة وقد فقدت جزءا من قوتها الناعمة التى منحتها التفوق، وفى كتاب «الإعلام الأمريكى بعد العراق: معركة كسب القلوب والعقول»، لمؤلفيه نيثان جودلز ومايك ميدافوى، ترجمة بثينة الناصرى يشيران إلى تراجع القوة الناعمة الأمريكية فى ظل توسع أدوات الاتصال والتواصل، حيث أصبح بإمكان كثيرين أن يستخدموا نفس الأدوات.
ويبدو أن هذا يترجم فى الحرب الباردة السياسية حول الإعلام، بين المؤسسات الأمريكية والروسية ووصلت إلى تشريعات فى المجالس النيابية فى كلا البلدين، حيث أعلن الكونجرس عن اتجاه لتصنيف مؤسسات إعلامية مثل روسيا اليوم وسبوتنيك على أنهم عملاء أجانب وهو ما يعنى معاملة خاصة تتسم بالكثير من الحذر والحيطة، بما قد يعنى اعتبارها جهات تجسسية، حيث تم فرض شروط على إدارة «روسيا اليوم» فى أمريكا بالتسجيل كعملاء أجانب، وذلك ضمن مناقشات فى الكونجرس حول التأثير على الانتخابات الرئاسية الأخيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعى.
ولهذا أعلن مجلس النواب فى الجمعية الاتحادية لروسيا «الدوما» تبنى مشروع قانون يتيح تصنيف وسائل الإعلام الأجنبية فى خانة «العملاء الأجانب» فى خطوة موجهة إلى الإعلام الأمريكى فى روسيا.
مشروع القانون الروسى ينطبق على وسائل الإعلام أو الهيئات الأجنبية الناشطة فى عمل سياسى داخل روسيا الاتحادية لصالح جهة أجنبية، وبتمويل منها، أو من منظمات أو هيئات دولية. وهو ما اعتبره دميترى بيسكوف الناطق باسم الكرملين، ردا على محاولات حصار حرية الإعلام الروسى فى الخارج، فيما قال نائب وزير العدل الروسى، أوليج بلوخوى، إن وزارة العدل الروسية يمكن أن تشدد الرقابة على المنظمات الأجنبية غير الربحية، ردا على تدابير أمريكية مماثلة بحق وسائل الإعلام الروسية.
روسيا ترى أن أمريكا تحاول عرقلة عمل قناة «RT» روسيا اليوم الروسية، وتمارس ضغوطا على المؤسسات الخاصة، بعد أن أعلنت شركة «تويتر» قرارها بمنع الدعاية على صفحات «سبوتنيك» و«RT»، بعد أن اتهمتهما بالتدخل فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، وهو ما اعتبرته المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، خطوة عدائية لعرقلة وسائل الإعلام الروسية، خضوعا لضغوط المؤسسات الأمريكية والهيئات الأمنية، وأعلنت وزارة العدل الروسية أن روسيا سترد بالمثل على مضايقة الصحفيين الروس فى الولايات المتحدة.
واضح أن أمريكا التى كسبت الحرب الباردة أولا بالدعاية، والقوة الناعمة، تشكو من الدعاية الروسية، وتتهم قنوات روسيا اليوم بالتدخل فى السياسة والانتخابات الأمريكية، وهو ما يعد اعترافا بتراجع القدرات الدعائية الأمريكية فى مواجهة روسيا، خاصة، أن الولايات المتحدة كانت دائما تملك زمام التفوق فى الدعاية، من خلال صحف وقنوات وإذاعات ووكالات أنباء كانت دائما تخضع للأهداف الأمريكية، بينما هذه الأدوات عاجزة عن مواجهة مجموعة قنوات لا يتجاوز عمرها 12 عاما.
وكان فلاديمير بوتين يعرف أن أمريكا كسبت الحرب الباردة بالدعاية، واكتشف حاجته لأذرع إعلامية دعائية، وبدأ ما سماه المحللون الأمريكيون بـ«الثورة الدعائية ما بعد الحرب الباردة». وظهرت شبكة روسيا اليوم RT، 2005، باللغات الإنجليزية والعربية والإسبانية، والألمانية والفرنسية، وغيرها، وتجاوز عدد مشاهديها 2017 مئات الملايين، وسجلت عام 2015 700 مليون فى أكثر من 100 دولة، وظهر الموقع الإخبارى «سبوتنيك»، عام 2012، وبدا مثيرا للدهشة أن تكون أدوات حديثة العهد قادرة على هزيمة ترسانة دعائية عريقة، وقد اعترف إدوارد رويس رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، بالفشل أمام الإعلام الروسى فى أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية من خلال قنوات RT، وكان هذا الفشل مثار نقاش انتهى بدعوة لإعادة تصنيف وكالات الإعلام إلى عملاء أجانب، فيما بدا استعادة لأدوات كانت تنتقدها أمريكا سابقا عندما كانت تصدر من دول المعسكر السوفيتى، وهو إعادة للحرب الباردة بشكل معكوس.