"كانان" اسم مركب يحمل معانى الحضارة الفرعونية واليابانية معاً، هى أول من حملته، فلم يكن موجوداً بل ابتكره والدها لتيتنبأ لها بالتميز منذ الصغر، وكأن لها نصيب من اسمها فكبرت تحب الحضارة المصرية وتعمل مرممة لآثارها بمركب خوفو الثانية، اسمها باليابانية يعنى الجنوب الحلو والمقصود بها الجنة، أما بالفرعونية فـ"كا" تعنى الروح المقدسة، التى يحيا بها الفرعون فى الليل ليأكل ويشرب فى مقبرته وهو اعتقاد لدى الفراعنة، أما الجزء الثانى من الاسم "نان" فتعنى بداية الكون لدى الفراعنة.
ابن الوز عوام..
هى كانان الباحثة اليابانية التى تعمل بالبعثة اليابانية الأثرية بمصر، تحمل نصف مصرى بداخلها يعود لأمها، ثقافة وتركيبة مزدوجة بين خفة الدم المصرية ودقة وعمل اليابانيين، والدها كان من أول أربعة باحثين أثريين ومرممين بالبعثة اليابانية الأثرية فى مصر منذ الستينيات، فحبها للآثار والترميم يجرى بدمها وكأن الجينات انتقلت من الأب لابنته.
"ساكن قصادى وبحبه"
نصفها المصرى واليابانى جاء بعد أن جمع الحب بين الشاب اليابانى والبنت المصرية جارته على صوت نجاه تشدو "ساكن قصادى وبحبه"، تقدم الشاب الذى كان قد أعلن إسلامه وبدأ يتردد على دروس الأزهر للزواج منها، ووجدت فيه أسرة الفتاة نموذجا للشاب الخلوق الطيب، فوافقت على الزواج لينجنبا "كانان وأخوها".
تجاور "كانان" بطبيعة عملها الملك خوفو، فى الصيف تستظل بحجارته، وتستمد الدفء من هيبته فى الشتاء، التقينا بها خلال عملها بمشروع مركب خوفو الثانية، وهوموقع حفائر من أهم المواقع التى تحتضن مركب جنائزى للفرعون خوفو، صاحب الهرم الأكبر.
كانان: أتعامل مع القطع الأثرية كجنين بداخلى
تشبيه فريد عبرت به كانان عن عملها، عندما وصفت القطع التى تقوم بترميمها بالجنين بداخلها تحافظ عليه وترعاه حتى يكبر، ولحظة الولادة هى لحظة الانتهاء من استرداد هذه القطعة للحياة مرة أخرى، قائلة "بحس بخوف لما بشتغل، لأنها مسئولية كبيرة أن يكون بين ايديك أحد أقدم الحضارات القديمة، وبنخاف عليها، كل ما يعطونى قطعة لترميمها باعتبرها طفلى".
حديثها عن ترميم القطع الخشبية لمركب خوفو الثانية قد يراه البعض جنونا، وربما ينظر له آخرون على أنه عشق، تقول بصوت واثق "أتحدث مع القطع وتحدثنى ساعات تقولى جعانة وساعات تعبانة وساعات تقولى غطينى، قد لا يصدق ذلك البعض، لكن ده اللى بحس بيه".
صبر أيوب
"اللى بيشتغل مرمم لازم يكون عنده صبر أيوب" جملة لخصت تعب ومعاناة المرمم، الذى يتطلب عمله الدقة والصبر حتى لا يضر القطعة الأثرية ولكى يعطيها حقها من الاهتمام والإصلاح.
الفراعنة يملكون قوة وليس لعنة
وبالرغم من هذا الحديث الذى نجده تتجلى فيه روح الفراعنة، إلا أنها لا تعتقد فى لعنه الفراعنة، بل ترى أن هناك طاقة تشع من الآثار الفرعونية، وهى طاقة إيجابية وقوة وليست لعنة.
زى الفريك متحبش شريك
رفضت كرامتها وكبرياؤها أن تتخيل نفسها زوجة لأحد الفراعنة، وردت فى إجابة سريعة "لا.. لا الفراعنة كانوا بيتزوجوا كتير وأنا محبش يكون معايا زوجات أنا بس"، أما الملك خوفو وأحمس وأمنحتب الثالث، هم الملوك الذين تمنت كانان أن تعيش فى عصرهم، ولو عاد بها الزمن لاختارت عصور هذه الملوك فكان عهدهم رخاء وانتصارت، فعصر الملك خوفو تراه العصر ذهبى، وترى أن أحمس هو أقرب فرعون للمصريين فكان وطنيا جداً واهتم ببناء جيش نظامى، أما أحمس فيذكرها بوالدها فشخصييته قوية تجمع بين القوة والحنية.
لو لم أكن يابانية لتمنيت أن أكون حتشبسوت
"حتشبسوت" اسم الملكة الفرعونية الذى قالته كانان بصوت عال وواثق بدون تفكير أو تردد بمجرد سؤالها عن الشخصية الفرعونية التى تحلم أن تكونها، فرأت فيها الشخصية القوية وقدرتها على إقامة علاقات تجارية مع جيرانها وحنكتها الحربية والدبلوماسية أيضاً، وترى أن قوة الشخصية تجمعها بالملكة حتشبسوت.
سى السيد وصل اليابان
بصوت متمرد تقول "أنا شخصية قوية للأسف" وبسؤالها لماذا للأسف، أكدت أن اليابانيين يتشابهون مع المصريين فى أنهم لا يحبون المرأة القوية، لكن والدى شخصية متفردة فهو يقدر المرأة، فالكثير من العادات والتقاليد تتشابه بين الشعبين لديهم أصالة ولديهم طيبة قلب.
تجد فى اليابانيين أمورا يحتاجون لاكتسابها من المصريين مثل المرونة، وتجد فى المصريين أمورا بحاجة إلى تعلمها من اليابانيين مثل الدقة فى العمل، وترفض الزواج والارتباط لأنها لا تجد الوقت لذلك، فعملها وغرامها بالعمل فى ترميم الآثار المصرية يغنيها عن كل الرجال.
أول مرة أصوم
استرجعت أطرف لحظاتها عندما جاءت لمصر ومنها صومها لأول مرة، وصدمتها بأنها لن تأكل ولن تشرب حتى المغرب قائلة "قلتلهم ولا حتى ميه، طيب ينفع فنجان قهوة أو شوية عصير.. لكن بعد كده اتعودت"، تؤمن أن ربنا لا يلعن أحدا لأن ربنا رحيم وكريم، وأن ما يحدث للإنسان من شر هو نتاج عمله السيئ.
قصة الحصان والشجرة بسلسلتها
ترتدى سلسة بها دلايتين حول عنقها، بين الحين والآخر تقوم بلمسها وكأنها تستمد منها الطاقة والقوة، أحدها لحصان ومنحها لها والدها عندما كان عمرها خمس سنوات، والقطعة الأخرى لشجرة الأرز وهى شجرة اعتمد عليها المصريين القدماء فى بناء مراكبهم، فأصبحت تتلمس بأصابعها قوة الفراعنة وحب والدها بين الحين والآخر.
"طشة وشهقة" الملوخية
"بعرف أعمل الملوخية والطشة لعبتى بس مش بعرف أعمل الشهقة، وبضحك قوى لما بلاقيهم يعملوها"، وبعرف أطبخ بامية وفاصوليا والأرز أبو شعرية"، كان ذلك حديث كانان عن طبخها للأكلات المصرية التى تعلمتها من والداتها داخل بيت أصيل تفوح منه رائحة الخير.
اليابانيين أول حاجة بيسألوا عليها الكشرى
العرق اليابانى هو الذى حببها فى مصر، هذه ليست فزورة فتقول كانان "وبالرغم من أن والدى هو اليابانى لكن هو اللى حببنى فى مصر وليس أمى بالرغم من أنها مصرية، ومن حبه لمصر ألف كتابا بعنوان دليل مصر، وهو منشور فى اليابان يضم معلومات عن أجمل الأماكن فى مصر وثقافتها، وأشهر محلات الكشرى، أنا بحب أضحك وأهزر زى المصريين يمكن حاجة من الجينات".
"معندكش أخوات بنات؟"
نوبة من الضحك أصابتها عندما تحدثت معها عن معاكسات المصريين لها، بعضها يحمل خفة الدم وبعضها الآخر يحمل المضايقات والاستفزاز، تعاملت "كانان" بعصبية وضيق فى بداية الأمر مع هذه المعكاسات لكن بعد ذلك تعودت على الأمر خاصة عندما تعلمت المصرية، فكانت ترد على الشاب وتحرجه بشياكة قائلة "شكراً"، وعندما تعلمت العامية جيدا ترد قائلة "لو والدتك أو أختك أو خالتك ترضى يحصل كده معها.. فى ناس بتقولى لو عندى أخت زيك حلوة كده أحطها فى البيت، فأرد عليه طيب أنا معنديش أخ زيك يحطنى فى البيت أعمل إيه!".
وجبتها المفضلة.. الكشرى
رائحة زكية تحفظها كل أنف مصرية لا يمكن أن تخطأ فيها، هو "الكشرى" الذى وجدناها تأكله وقت راحتها، تمسك بالعلبة بيد والملعقة بيدها الأخرى وكأنها تحمل كمان وعصاها لتعزف لحن رشيق بطعم مصرى أصيل.
رسالتى للمصريين.. حب الوطن مش بالأغانى
أما رسالتها للمصريين فكان ملخصها أن حب الوطن بالفعل والعمل وليس بالأغانى، فالمصريون يغنون كثيراً ويملكون الكثير من الأغانى، ترى أن مصر حالياً أفضل، وتؤمن بمقولة الرئيس عبد الفتاح السيسى "مصر أم الدنيا وهتبقى أد الدنيا"، وعبرت عن ذلك قائلة: "بلدكوا حلوة جداً وأنا واحدة منها، لكن تحتاج لرعاية أبنائها والحفاظ عليها نظيفة".
وترى" كانان" أن مصر ستكون أحسن لأن المصريين على مدار آلاف السنين منذ الفراعنة لديهم عزيمة ومن يملك العزيمة سيطور بلده، قائلة بصوت يحمل بين الحب والقوة "مصر بلدى وبلد أمى، وأنا كمواطنة يابانية عايشة فى مصر ومش همشى منها هفضل فيها على طول".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة