منذ أسابيع قليلة، فوجئنا بالمهندس والاستشارى والفاهم فى كل شىء، ممدوح حمزة، يبعث برسالة تهديد ووعيد لمؤيدى الرئيس عبدالفتاح السيسى، جاء نصها: «سيأتى اليوم وسيحاكم كل فلول السيسى، وضمنهم اللجان الإلكترونية ومن صرف عليهم، يتم الآن حصر وتوثيق الحسابات التابعة للجان، ولن يفلتوا من القانون عندما يسود»!
وتساءلنا حينها: هل ممدوح حمزة أقوى من الدولة وفوق القانون؟، وما هى الحصانة والقوة المفرطة التى يتمتع بها، لتمكنه من تهديد ووعيد ما يقرب من 23 مليون مصرى انتخبوا «السيسى»، ومعظم المصريين الداعمين للدولة واستقرارها وأمنها؟، وما السر وراء كراهيته لـ«السيسى» والمؤسسة العسكرية بهذا الشكل الذى فاق كل تصور؟!
وكانت الإجابة جلية وواضحة خلال الساعات القليلة الماضية، عندما ألقت هيئة الرقابة الإدارية على استشاريين هندسيين يعملان فى المكتب الهندسى الذى يمتلكه ممدوح حمزة، ونحن لن نستبق ما ستفسر عنه التحقيقات مع المقبوض عليهما، ولكن المؤشرات واضحة وضوح الشمس فى كبد السماء، وأن إقحام ممدوح حمزة نفسه فى قلب الأحداث الثورية والسياسية من باب ترهيب وتخويف الدولة ومؤسساتها، ومن ثم الحصول على تنفيذ المشروعات بقوة الذراع.
لم يكن غريبًا أن تلقى هيئة الرقابة الإدارية على استشاريين يعملان فى مكتب ممدوح حمزة، ولكن الغريب أن أدعياء الثورية الذين يخرجون علينا ليل نهار باعتبارهم المكافحين للفساد، يزج بأسمائهم فى قضايا فساد خطيرة، ويومًا بعد يوم تتكشف حقائق مذهلة، ثم يخرجون علينا بغلظ عين، أنهم أبرياء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وأن الدولة تلفق لهم القضايا نظرًا لمواقفهم السياسية، وهو أمر مللنا منه، فقضايا الفساد مسجلة صوتًا وصورة، مثلما سبق أن تم ضبط رئيس جمعية مكافحة الفساد، حمدى الفخرانى، بتهمة الابتزاز وتلقى الرشاوى، وصدر ضده حكم بالسجن!
ولم يكن ضبط استشاريين فى مكتب ممدوح حمزة هى الجريمة الأولى من نوعها، ولكن هناك سلسلة من الجرائم ارتكبها ممدوح حمزة، أولها اتهامه بردم النيل، والاستيلاء على جزيرة تبلغ مساحتها 36 فدانًا، ليضمها لأراضيه البالغة مساحتها 32 فدانًا فى منطقة «العطف» بالعياط، ليصبح جملة ما يمتلكه المهندس والثورى والناشط والباحث عن تطبيق شعار «الحرية والعدالة الاجتماعية» من أراض 68 فدانًا بالتمام والكمال.
وخطايا ممدوح حمزة لا تتوقف عند حد اتهامات ردم النيل، والاستيلاء على جزيرة كاملة، وإنما فى تحويل مكتبه للاستشارات الهندسية إلى «دجاجة تبيض له ذهبًا» بدأها فى عهد «مبارك»، من خلال الإشراف على عدد كبير من المشروعات الحكومية المهمة، التى نفذها حينذاك، وعندما تولى المهندس محمد إبراهيم سليمان حقيبة وزارة الإسكان أغلق «حنفية» منح المشروعات الحكومية عن مكتب ممدوح حمزة، وأسند كل المشروعات حينها لشقيق زوجته، وهو ما أغضب ممدوح حمزة، وأعلن الحرب الضروس على الوزير، بل ونظام «مبارك» بأكمله.
إذًا، خلاف ممدوح حمزة مع نظام «مبارك» كان شخصيًا، وليس من باب أن الرجل كان معارضًا ومحاربًا للفساد، ولكن الخلاف جاء تأسيسًا على حرمان مكتبه من الإشراف على المشروعات القومية، أى أن المصلحة الخاصة هى التى أججت نار الخلاف بين الطرفين، وزادت اشتعالًا عندما ألقى القبض على ممدوح حمزة فى العاصمة البريطانية لندن، بتهمة التخطيط لقتل عدد من رموز نظام «مبارك»، مثل الدكتور فتحى سرور، ومحمد إبراهيم سليمان، وزكريا عزمى، وغيرهم من الشخصيات البارزة، وبعد فترة طويلة أفرج عنه القضاء البريطانى، وعاد إلى مصر.
وعندما اندلعت ثورة 25 يناير، كان ممدوح حمزة أحد رموزها، والممول الأكبر للخيام والبطاطين والملابس الداخلية للمتظاهرين فى ميدان التحرير، وفتح أبواب فيلته الكائنة فى السيدة زينب لحركة 6 إبريل، وباقى أعضاء اتحاد ملاك ثورة يناير، يجتمعون فيها، ويخططون للتصعيد وإثارة الفوضى طوال السنوات الماضية، ولم يكتف ممدوح حمزة بذلك، بل قام بتعيين رموز شباب يناير فى مكتبه الهندسى، وعلى رأسهم أحمد ماهر، المنسق العام لحركة 6 إبريل، المحبوس حاليًا، ثم وفى عهد «السيسى» كان ممدوح حمزة يحدوه الأمل فى أن يتولى مكتبه الإشراف على عدد من المشروعات القومية، محاولًا أن يعيد فتح حنفية المكاسب التى كانت فى عهد «مبارك» وأغلقها «السيسى»، لكنه فشل، فقرر شن حملة ضد النظام الحالى، والتشكيك والتسفيه والتسخيف من المشروعات القومية الكبرى، من باب «فيها يا أخفيها» وهو ابتزاز رخيص.
ومن خلال السرد المبسط والمختصر لسيرة ممدوح حمزة، ثم اتهامه بالاستيلاء على جزيرة فى النيل وطرد الفلاحين الغلابة، الذين كانوا يزرعون الأرض، والتنكيل بهم، يتأكد للقاصى والدانى أن دفاع الرجل عن جزر القرصاية والوراق وأبوالدهب، وكل الجزر النيلية الأخرى، ليس تأسيسًا على الدفاع عن الغلابة، ولكن لتحصين نفسه والاحتفاظ بالجزيرة التى استولى عليها فى العياط.
ثم جاء القبض على استشاريين بمكتبه، حتى ولو أثبت أنه برىء وأن الأمر تم من وراء ظهره، سيشعل نار الأسئلة عن أن الرجل الذى يملأ الدنيا ضجيجًا وصراخًا عن مكافحته للفساد، كيف يستوطن الفساد أحشاءه، وأن اثنين من أهم رجاله متورطان فى قضية رشوة، وتم القبض عليهما؟! وكيف نصدق رجلًا يتهم الدولة والمؤسسات بالفساد دون دليل، وفى الوقت نفسه رجاله متورطون بالرشوة؟!
ممدوح حمزة، مثال صارخ لانتحار المنطق على أعتاب مكتبه الاستشارى، وانتهاك صارخ لشرف الحكمة، وفضح مواقف كل المتصدرين للمشهد، بأن مساندتهم للثورة والزج بالبلاد فى وحل الفوضى، إنما يصب فى مصلحتهم، فكلما غاب القانون، حققوا من المصالح دون رقيب أو حسيب، الكثير!
ولك الله يا مصر..!